الكهرباء مقابل القدس
د . إيهاب الدالي – كاتب من غزة
الساعة الآن العاشرة مساءً حسب التوقيت المحلي لشركة الكهرباء بقطاع غزة .
هذه هي المعاناة في غزة كل يوم حيث حول الاحتلال تفكيرنا الدائم وانشغال عقولنا في جداول قطع الكهرباء،
وغالباً لا يلتزمون بجدول معين .
أصبح الغزي يبرمج حياته اليومية حسب جداول شركة الكهرباء، زيارة الأصدقاء إذا تواجد عندهم أهم
مقومات الحياة لمبة، العمل حسب الإضاءة، والشمعة أصبحت هي إكسير الحياة .
لو نظرنا في فاتورة الكهرباء نجد نفس الأرقام كل شهر رغم انقطاع التيار الكهربائي لساعات عديدة فلماذا يا ترى؟
المعادلة سهلة، تقطع الكهرباء صباحاً إذن الغسالة ستعمل ليلاً، وإذا قطعت مساءً لا بد من الاستيقاظ بعد منتصف الليل
لكي الملابس، وهكذا يقلب الليل نهاراً والعكس كذلك .
أول وآخر دعوانا في شهر الخير والعبادة والتقرب إلى الله شهر رمضان المبارك هو “يا رب تكون الكهرباء
جاية موعد الإفطار” ، إذن الهدف ليس توفيراً لكميات الوقود، بل هناك أيد خفية تلعب بمصالح المواطنين،
تريد أن تجني مكاسب سياسية وأن تكون الكهرباء ورقة رابحة في أيديهم ليمرروا على شعبنا مخططات صهيونية،
حتى يستسلم هذا الشعب الصامد المرابط على أرضه .
يريدون أن يرسلوا رسالة مفادها : يا أهالي قطاع غزة لا تفكروا في أراضي الـ”48″ ولا في الـ”67″
ولا في القدس كعاصمة لفلسطين، تفكيركم ينحصر في الكهرباء والماتور والشمعة فقط .
لو عملنا استفتاء للآراء يا أهل غزة نعطيكم كهرباء على مدار الساعة مقابل التنازل عن القدس،
يا ترى ماذا سيكون الجواب؟ وما هو ردكم أيها الغزيون على هذا الافتراض ؟
التنازل عن القدس خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، يحرم ويجرم التنازل عن شبر واحد من فلسطين .
ألا يساوي عندنا المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ساعات من الظلام
حتى يُقدّم هدية لقتلة الأنبياء، أليسوا هم من حرقوه ودنسوه ومازالوا يحفرون من تحته حتى يهدموه
ومحاولاتهم العديدة للاستيلاء عليه .
ألا نستطيع أن ندافع عن أرض أبائنا وأجدادنا، وأن نحافظ على تراثنا الفلسطيني، وأن نضحي من أجل مقدساتنا،
وأن نقف في وجه أعدائنا وأعداء الله .
لمن يتباكى على حصار غزة …
لمن يريد لأطفال غزة نوماً تحت الظلام الدامس وفي ظل الحر الحارق …
لمن يريد لنساء وشيوخ ومرضى غزة حياة بلا كهرباء …
لمن يريد الفطور والسحور لأكثر من مليون ونصف مليون نسمة على الشموع …
نقول كما قال الرسول “صلى الله عليه وسلم” لعمه أبي طالب ( لو وضعوا الشمس في يميني،
والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته)،
لو قطعتم الكهرباء ليلاً ونهاراً، لو أبقيتم على حصاركم الذي فرضتموه منذ سنوات عديدة
على أن نفرط في ذرة من تراب فلسطين، سنموت واقفين مدافعين مقبلين غير مدبرين،
نحن قوم ألهمنا الله الصبر على الابتلاء وسنعيش في وطننا وسنجعل من دمائنا جسوراً
تنير لنا الطريق إلى القدس ويافا وحيفا وعكا والرملة وكافة الأراضي الفلسطينية رغم الظلام الدامس،
وسنموت مبتسمين حتى يحيا وطننا فإن ابتغينا النصر بدون القدس فلا ناصر لنا .