الثقافة الحِمارية تبشر بموت اللغة العربية
على هامش ندوة اللغات المنظمة في الدار البيضاء 11 و 12 يونيو 2010 من طرف مؤسسة زاكورة
عجبتُ لمن يقيم الولائم ويستقبل بالأحضان من يوسعوننا إهانة وإذلالا ويستخفون بنا وبوطننا، ويعطوننا الدروس
لكي ننسلخ عن كينونتنا ونقذف بعيدا لغتنا العربية ونتنكر لتراثنا ومقومات شخصيتنا لنصبح كائنات
استهلاكية محضة نتسوَّل الهويات المزيفة.
عجبتُ وأنا أرى الوزير والوزير السابق وربما الوزير اللاحق ينبهر ويصفق على من يمرر رسالة خلاصتها :
أيها المغاربة الطيبون البسطاء، أنا أرفَقُ بكم من أنفسكم، وأعلمُ منكم بمصالحكم بالأمس و اليوم وغدا، اطرحوا
عنكم مكونات انتماءكم و انسوا تاريخكم وخوضوا في معارك مفتعلة ومزيفة بين مكوناتكم، وانسفوا وحدتكم
و اضربوا العربية الفصحى بالدارجة، و اضربوا الدارجة بالأمازيغية ثم اضربوا الأمازيغية بالفصحى و هكذا، لأنتصر
أنا الفرنكفوني مستعمركم القديم الجديد على الجميع وأحكِم قبضتي على مجتمعكم واقتصادكم وبلدكم من أم
رأسه إلى أخمص قدميه .
عليكم أن تبقوا دوما قاصرين غير راشدين ، وأن تفسخوا عُرى عمقكم الحضاري وتقيموا صلاة الجنازة بالفرنسية
الرديئة المرطـّـنة على لغة الرسالة السماوية، و تطرحوا عنكم خرافة القيم العليا، فإذا بشَّـرتكم بموت العربية
وأنا الأستاذ المعلم العلامة فلا يخامرنّكم شك في نبوءتي.
أقول لصاحب هذه البشرى و من يهلل له، ما قال الشاعر العربي القديم :
يا ناطح الجـبـل العـالي لتُـكْـلِمه أشفٍق على الرأس لا تُشفِق على الجبل
فإن لم يفهم أقول له : ينطبق عليك المثل الذي أفرزته العربية الدارجة الجميلة : كيتعلّق فين كيتفلّق
وعجبتُ لمن يطالب و يتمنى في غبطة أن يصبح النشيد الوطني المغربي بالدارجة لأنه لا يفهم معنى منتدى السؤدد وحماه.
(ولكم أن تسبحوا بخيالكم وتحاولوا التعبير بالدارجة عن معانى النشيد الوطني وعن الصيغ الممكنة بالدارجة )
ثم انتبهتُ فجأة إلى أنّ من يسعى جاهدا لنسف ما تبقـَّى من مقومات الكرامة وأصبح يمجد السخافة
صباح مساء، لا حاجة له أصلا بسؤدد لأنه يحارب السؤدد وكل ما يهدي للسؤدد. هذا يذكرني بقول الشاعر :
زعمَ الفرزدقُ أن سيقتُل مَربَعاً أبْشِـر بطول سلامة يا مَــْربَعُ
و أخيرا، عجبتُ لمن يتجرأ خلال ندوة عقدت في رحاب أحد المعاقل العلمية وهي كلية الطب بالدار البيضاء
فيبشرنا تحت تصفيقات الجمهور أن قمة الإبداع اليوم ونموذج التعبير الفني الخلاق بالدارجة ليس الملحون بإشراقاته
ولا روائع أحمد الطيب العلج التي تخاطب الوجدان وتهذب الذوق، بل أصبح الاحتفاء والافتخار بالتشبه بالحمير
في إشارة إلى من أبدع الماركة :” حمار وبيخير” التي تـُطبع على الملصقات و القمصان.
فهنيئا لنا جميعا لما وصلنا إليه من ثقافة حمارية، وإن لم تستحي فافعل ما شئت أو انهـق كما شئت.
أحمد ابن الصديق – المغرب
13 يونيو 2010