لقاء مع جدتي18/05/2010
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بعض مما علق في ذاكرة طفلة عاشت النكبةهبة رمزي - الجزيرة توك - الناصرة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بحثت عنها في البيت، فلم أجدها، وكانت الشمس على وشك الغروب، فوجدتها هناك، تحت ظل شجرة التين، ترعى دجاجتها وأشجارها. قطعتُ عليها وحدتها واستغراقها بالتفكير والعمل، طرحت عليها السلام واستأذنتها بالجلوس عندها.
قلتُ لنفسي وأنا أهم بالجلوس، نحن الآن في ذكرى النكبة، وربما لا تذكر جدتي شيئاً منها، قد تكون نسيت أو تناست، لا أدري !
جدتي أم رمزي، تبلغُ من العمر اليوم 71 عاماً، على الرغم من كبر سنها إلا أنها بحمد الله ما زالت تتمتع بقوة في تفكيرها وإن كان الجسم قد هرم، فإن الذاكرة ما زالت حية، بل زاخرة بالمعلومات ومتابعة للأحداث على مدار الساعة. هي أمية لا تكتب ولا تقرأ، ولكنها على قدر كاف من الثقافة التي تستمدها من خلال مشاهدتها للتلفاز . سألتها : " قديش كان عمرك يا ستي لما طلعتوا من قرية كفر سبت ؟! "، عندها أدركت أنني قد نجحت في فتح ذكرى مؤلمة وجرح عميق في قلب جدتي، فنتيجة تهجيرهم من قرية كفر سبت حيل بينها وبين إخوتها وأقربائها الذين يسكنون اليوم في مخيمات في لبنان وسوريا.
9 سنوات كان عمر جدتي حينما تهجرت من بيتها مع إخوتها، إذن هي من أطفال النكبة، نعم أنا أُحدِّثُ طفلةً حُرِمَتْ من طفولتها أمام مشاهد العنف والتهجير والترحيل من بيتها، فلا زالت تذكر ذلك الرصاص الذي سقط كالمطر عليهم وهم يركضون خوفاً أو هروباً أو حتى .. لا أدري كيف سأسميه، المهم أنهم رحلوا من قريتهم ولم يعودوا حتى الآن ! و لم تكن ذكرى جدتي محصورة في خروجهم من القرية فحسب، بل إنها تذكر التفاصيل المملة، لا سيما مشهد قتل بعض أقربائها على يد المحتلين!ماذا بعد التهجير؟
" وين رحتوا بعدها يا ستي ؟ "، أجابتني والعمق والألم يظهران في عينيها الدامعتين : " الدنيا كانت حرب.. والطرق مكتظة بالمهجرين.. نمشي.. لا نعرف إلى إين .. وحتى متى ؟". تكمل : "اتجهنا نحو شمالي البلاد، متجهين الى لبنان، مكثنا لفترة زمنية قصيرة، ولم يرض أبي إلا أن نعود لأرضنا، ولكن.. قريتنا تهدمت ولم يبق منها سوى أشجار الصبار الشامخة تلك، فمكثنا في قرية كفركنا – قضاء الناصرة، كان بصحبتنا رجلان من العائلة، أحدهما كان يراقب مصدر اطلاق النار ويرشدنا إلى الطريق".
و جرح النكبة لم يقتصر على الخروج من القرية وزيارتها فقط كسواح لا يملكون سوى حق تصوير المكان والتنزه فيه، بل تعدت أكثر من ذلك، فعندما كانت عائلة جدتي في شمالي البلاد، هاجر أعمامها إلى الدول العربية المجاورة ورافقهم شقيقها وشقيقتاها إلى هناك، ومنذ أكثر من 59 عاماً لم تلتق بإحوتها أو أبناء عمومتها الذين اختفوا ولا تعرف مصيرهم حتى الآن.
تقول جدتي :" بعد أن هدأت المعارك واستقرينا في كفركنا، بقيت زوجة عمي تبحث عن أطفالها، فهي لا تعرف مصيرهم، هل استشهدوا أم ماذا حصل لهم. ومرت أشهر ونحن نبحث عنهم وأنا ابكي حسرة على فراقهم، فهم أبناء عمومتي وذكريات طفولتي !".
ما زلت منصتة لجدتي وهي تحدثني بتفاصيل تجربتها مع النكبة، فأدهشتني بما تذكره وكأن ما كان وقع قبل 62 يوماً لا عاماً !
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ذكريات مؤلمة وأخرى سارة !لم تكن الذكريات المؤلمة وحدها ما حدثتني عنه جدتي، بل كان للذكريات السارة التي تملؤها الحسرة نصيب. فلا زالت جدتي تذكر أجمل أيام طفولتها في السهل عندما كانت تلعب مع أطفال القرية، و حتى أثناء ترحيلهم. أشكال عدة علقت في ذهنها، فهي لا تنسى كيف كان بعض الفتية يصطادون الطيور لسد جوعهم في الطريق، فقد كانوا يطلون أغضان الأشجار بطلاء ما حتى إذا ما وقفت عليها الطيور بقيت معلقة !
تعددت الأحداث واختلفت التفاصيل وتبقى القصة واحدة، أبطالها أبناء شعبنا وأجدادنا. والعجيب أن الأحداث تكرر نفسها، تكرر اليوم وإن كانت تلبس شكلاً آخر، تخبرنا أن النكبة ما زلت مستمرة! فلا تزال المؤسسة الاسرائيلية تصادر الأراضي وتقتلع ما فيها من أشجار وتنهتك حرمة المقدسات. بل حتى الكلام أصبح في دائرة المصادرة، فمصطلح النكبة يراد له أن يُمحى من مناهج التعليم، وذكراها تحارب بالقوانين العنصرية، و لا تزال المؤسسة الاسرائيلية تضيق علينا وتحاصر لقمة طعامنا وتهدد بترحيل من بقي منا مزروعاً شامخاً في الداخل الفلسطيني.
قرية كفر سبت
تبعد قرية كفر سبت حوالي 10 كيلومتر عن طبريا، تقع في الجليل الأسفل بين مدينة الناصرة و طبريا. مساحة أراضيها المسلوبة 4700 دونم، يبلغ عدد سكانها حتى عام 1945 حوالي 480 نسمة.
تتميز القرية بسهولها الشاسعة والخصبة، اذ تغتنمها المستوطنات اليهودية المجاورة لزراعة حبوب القمح وعباد الشمس والنباتات لاطعام المواشي، و تحيطها السهول من جميع الجهات وما زالت تشهد على وجود قرية عربية، فأكوام الحجارة لا زالت مكانها، بالاضافة إلى نباتات الصبار الشامخة التي تأبى إلا أن تبقى مكانها منتظرة عودة اصحابها