"وإلاهكم اله واحد لا اله الاهو الرحمن الرحيم"
وتلك هي قضية الحق الاساسيه ، و "إلهكم" يعني أن المعبود إله واحد، فالواقع أن الإله الحق موجود قبل أن يوجد الكفر.
و "لا إله إلا هو" هذه قضية ثانية ، لأن غفلة الناس هي التي جعلت بعضا من نفوس الناس تلفت إلى آلهة أخرى.
و قوله الحق سبحانه: " إله واحد" أي ليس له ثان ، و الفارق بين "واحد" و "أحد" هو أن "واحد" تعني ليس له ثان ، و"أحد" يعني ليس مركباً و لا مكونا
من أجزاء ، و لذلك فالله لا يمكن أن نصفه بأنه " كُلَ" أو كُليَ" لأن "كل" يقابلها "جزء" ، و "كُليَ" يقابلها "جزئي" ، و "كل" هو أن يجتمع من أجزاء.
و الله متفرد بالوحدانية ، و سبحانه المنزه عن كل شيء و له المثل الأعلى ، و أضرب هذا المثل للتقريب لا للتشبيه ، إن الكرسي "كل" مكون من خشب و مسامير و غراء و طلاء ،
فهل يمكن أن نطلق على الخشب أنه "كرسي" أو على الغراء أو على المسامير أو على الطلاء؟ لا. إذا كل جزء لا يطلق على "الكل" بل الكل ينشأ من اجتماع الأجزاء
و "الكُليَ" يطلق على أشياء كثيرة ، لكن كل شيء منها يحقق الكلي، فكلمة إنسان نقول عنها كلي، جزئياتها محمد و زيد و عمر و خالد ، فنقول : زيد إنسان ، و هو قول صحيح ، و نقول
عمر إنسان و ذلك قول صحيح. و الله سبحانه و تعالى لا هو "كُليَ" لأنه واحد و لا هو كل لأنه هو أحد.
إن القضية الأساسية في الدين هي "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو" و القرآن لا ينفى و يقول: "لا إله إلا هو" إلا حين توجد غفلة تعطي الألوهية لغير الله ، أو تعطي الألوهية لله و لشركاء معه
، إن القرآن ينفي ذلك و يقول : "لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" و ليس هناك شيء غير الله إلا نعمة منه سبحانه أو منعم عليه.
إن ما دون الله إما نعمة و إما منعم عليه بالنعمة ، و هذه كلها نفح الرحمن ، و نفح الرحيم. و ما دام كل شيء ما عدا الله إما نعمة و إما منعم عليه فلا توصف النعمة بأنها إله، و لا يقال في
المنعم عليه: إنه إله ، لأن المنعم عليه معناه أن غيره أفاض عليه نعمه لأن النعمة موهوبة و المنعم عليه موهوب إليه ، فإذا كانت هبة أو موهبة إليه فلا يصح أن تكون إلها ، لكن الذين يفتنون
إنما يفتنون في الأسباب، و الحق سبحانه و تعالى هو المسبب لكل الأسباب
لفضيلة الشيخ: محمد متولي الشعراوي
من كتاب: تفسير الشعراوي