خفايا وأسرار تهديدات ليبرمان لسوريا
بقلم : د . سمير محمود قديح
باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية
أثارت التهديدات التي أطلقها الوزير الإسرائيلي " ليبرمان " ضد سوريا موجة من الاستياء والسخط في الأوساط الشعبية والرسمية العربية ، كما أثارت استياءاً على مستوى العديد من قادة دول أوروبا ولا سيما فرنسا . وفي الوقت نفسه أثيرت تساؤلات محيرة حول التوقيت والغاية الحقيقية من تهديدات ليبرمان لسوريا وطرحت تساؤلات بقيت بدون إجابة شافية في وسائل الإعلام حول دوافع التهديدات الإسرائيلية الموجهة لسوريا والرئيس بشار الأسد شخصيا .
وقد نشرت صحيفة دنيا الوطن ضمن تغطيتها لردود الفعل السورية والعربية والدولية الغاضبة على تصريحات ليبرمان إشارات تقرأ ما بين السطور لموقف الرئيس الفرنسي ساركوزي والحكومة الفرنسية فيها بعض التوضيح لخفايا ودوافع تهديدات ليبرمان لسوريا ، بينما حاولت الإدارة الأمريكية التقليل من أهمية تهديدات ليبرمان . ودعت إلى وقف السجال الإعلامي والتهديدات المتبادلة بين إسرائيل وسوريا .
ومن خلال البحث في خفايا التهديدات الإسرائيلية ودوافعها وتوقيتها وأهدافها نستطيع التأكيد على أن ظاهر التهديد والزعرنة الإسرائيلية هو تخويف سوريا والحقيقة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك من خلال معطيات عديدة سنأتي على ذكرها الآن بان التهديد الإسرائيلي لسوريا هو تهديد الخائف من سوريا وان إسرائيل تخشى المواجهة مع سوريا وتحسب لها ألف حساب لأنها تعلم القدرات القتالية للجيش السوري وان القوة الصاروخية السورية الضاربة قادرة على إلحاق هزيمة فادحة بإسرائيل في أي مواجهه قادمة خاصة أن القوات المسلحة السورية استطاعت تحييد وتهميش قدرات وتفوق سلاح الجو الإسرائيلي .
ولنبدأ بأولى معطيات الخوف الإسرائيلي :
منذ بداية التهديد الإسرائيلي – الأمريكي بقصف وتدمير المنشآت النووية الإيرانية في العام الماضي لجأت إسرائيل إلى مناورة للتعامل مع القوة السورية الضاربة في المنطقة بان طلبت وبإلحاح سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الولايات المتحدة الأمريكية من وسطاء عرب وأجانب نقل رسائل تطمينات لسوريا بان إسرائيل على استعداد لإعادة الجولان المحتل للسيادة السورية عبر مفاوضات غير مباشرة تتطور إلى مفاوضات مباشرة عند التوصل للاتفاق النهائي .
أي فجأة وبدون سابق إنذار تذكرت إسرائيل أن لسوريا قضية حقوق وطنية مشروعة وانه آن الأوان لإعادة الحقوق لأصحابها ، والحقيقة أن هذا التكتيك الإسرائيلي كان مناورة إسرائيلية مكشوفة لم تكن خافية على الرئيس بشار الأسد المعروف بحنكته ودرايته التي تحظى باحترام قادة العالم ، وبالتالي لم يغلق الباب ولم يفتحه وتعامل مع كل المبادرات التي حملها الوسطاء بحكمة وروية لاختبار مصداقية الطرح الإسرائيلي .
ومن الواضح أن الاندفاع الإسرائيلي المفاجئ منذ العام الماضي تجاه حل قضية الجولان كان مناورة هدفها تحييد سوريا في حرب قادمة مع إيران وحزب الله حتى تخوض الحرب القادمة ضد إيران وحزب الله فقط لان إسرائيل لا تستطيع بأي حال من الأحوال تحمل تبعات فتح الجبهة السورية وهي كفيلة بكسر ظهر إسرائيل ومع بدء العد التنازلي لحرب إيران وكلما اقترب الموعد تزايد نشاط الوسطاء بخصوص موضوع الجولان ، ولكن القيادة السورية تمسكت أولا بمواقفها الثابتة وبعلاقاتها الإستراتيجية مع إيران وحزب الله ولم تقدم أي تنازل في مقابل الوعود الإسرائيلية باعتبار أن العلاقة مع إيران وحزب الله لا تحكمها المصالح وإنما العلاقات الكفاحية والمبادئ الثابتة للسياسة السورية .
ومن هنا فشلت إسرائيل ومعها أمريكا في عزل سوريا وإيران وحزب الله من جهة واستطاعت القيادة السورية ممثلة بالرئيس بشار الأسد وضع إسرائيل في زاوية حرجة لتنفيذ مبادرتها المزعومة عبر الوسطاء بالانسحاب الشامل من الجولان وكون إسرائيل لا تريد فعليا الانسحاب وغايتها المناورات السياسية هو فقط تحييد الجيش السوري في الحرب القادمة واكتشف الوسطاء زيف المبادرات الإسرائيلية فخرج ليبرمان بتهديدات مفاجئة بعد أن وضعت إسرائيل في زاوية حرجة فأرادت هذه المرة استخدام أسلوب العصا بدل الجزرة وكما وصف وزير الخارجية السوري تهديدات ليبرمان ب " الزعرنة الإسرائيلية " .
والسؤال الذي نطرحه ما الذي يخيف إسرائيل من القوة السورية ؟ :
نبدأ من حرب تموز التي خاضها حزب الله وعلى رأسه السيد حسن نصر الله التي تعتبر نقطة تحول تاريخية في الصراع العربي الإسرائيلي تشبه التحول التاريخي الذي أحدثته حرب أكتوبر المجيدة على الجبهتين المصرية والسورية ، فقد استطاع حزب الله بإمكاناته المحدودة والتي لا تصل إلى إمكانات أي دولة عربية عسكريا باعتباره حزب جهادي لايوجد لديه إمكانات الدولة من تسليح ومعدات قتالية ولكنه احدث التحول واثبت السيد حسن نصر الله أن إسرائيل هي نمر من ورق وان إسرائيل وقفت عاجزة أمام حرب تموز واستطاع حزب الله أن يفرض على سكان إسرائيل النوم في الملاجئ شهرا كاملا بفعل صواريخ الكاتيوشا واستطاعت قوات حزب الله أن تنفذ ما اصطلح علي تسميته بمجزرة الدبابات الإسرائيلية في جنوب لبنان ، وإذا كان الداعم لحزب الله هو سوريا وإيران في التسليح فكيف بالقوة العسكرية السورية في حال المواجهة مع إسرائيل .
لدرجة أن زعيم دولة عربية من الدول التي توصف بالمعتدلين خرج بتصريح بعد حرب تموز يقول فيه " لقد أثبتت حرب تموز أن القوة الإسرائيلية الضاربة في المنطقة أكذوبة ، فإذا كان حزب الله وهو في النهاية مجرد حزب استطاع أن يكبد إسرائيل هذه الخسائر ، فكيف بأي دولة عربية " .
إسرائيل تدرك أيضا أن المواجهة التي تمت مع حزب الله كشفت عورتها وبدأت تنتابها المخاوف والهواجس من أي حرب قد تحصل مع أي دولة عربية ولا سيما سوريا . فإسرائيل أدركت الحقيقة المرة وتجرعتها وبدأت تحسب لها ألف حساب للقوة العسكرية السورية وتخشى من الدمار الذي سيلحق بها في حال وقوع حرب مع سوريا .
- الحرب النفسية الإسرائيلية :
اعتادت إسرائيل خلال السنوات الماضية في وسائل إعلامها وقبل حرب تموز على لغة التهكم والسخرية من الجيش السوري فتارة تصف الدبابات السورية بأنها طراز روسي قديم متهالكة بدون قطع غيار وان سلاح الجو الإسرائيلي قادر على فعل المعجزات العسكرية وان الوضع الاقتصادي السوري صعب باعتبار أن سوريا لا يوجد لديها موارد نفطية وتخشى من تدمير منشاتها الاقتصادية ومصانعها في أي حرب قادمة ولا تستطيع تعويض هذه الخسائر المادية وان الاقتصاد السوري لا يستطيع احتمال مثل هذه الخسائر .
هذه اللغة التهكمية الإسرائيلية انتهت بعد حرب تموز وتلاشت تماما بعد حرب غزة بعد أن أثبتت حرب تموز أن حزب الله استطاع بصواريخ الكاتيوشا أن يلحق كل هذا الدمار في إسرائيل ووقف سلاح الجو الإسرائيلي عاجزا أمام الكاتيوشا اللبنانية كما وقف عاجزا أمام صواريخ غراد التي كانت تطلقها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة .
لقد عايشنا حرب غزة ورأينا بالعين المجردة ما رآه كل أبناء قطاع غزة الصامدة ما جرى خلال الحرب العام الماضي حيث أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية والطائرات الحربية لم تفارق سماء قطاع غزة لحظة واحدة على مدى 22 يوم ومع هذا لم تستطع منع إطلاق صواريخ غراد وهي صواريخ بسيطة مقارنة بالكاتيوشا اللبنانية وترسانة الأسلحة الصاروخية التي تملكها سوريا . فحرب غزة أكدت مجددا أن إسرائيل نمر من ورق وان حجم التأييد الشعبي العربي والعالمي لقطاع غزة اوجد دعما عربيا رسميا فاتخذت قرارات بإعادة الأعمار بمليارات الدولارات أي أن اللعبة الإسرائيلية على وتر الاقتصاد السوري الذي لا يستطيع تحمل خسائر الحرب انتهت وأثبتت حرب غزة أن الدول العربية ستبادر في حال وقوع الحرب ضد سوريا بتعويض كل الخسائر الاقتصادية والعسكرية أيضا لان الرأي العام العربي لن يقبل أن تترك سوريا تواجه الحرب بمفردها بمعزل عن دعم عربي قوي جدا ماليا وسياسيا ومعنويا ..
- القوة الصاروخية السورية الضاربة :
عند كل مباحثات ومفاوضات غير مباشرة كانت إسرائيل ومنذ فترة التحضير لمؤتمر مدريد عام 1991م تطرح عنوانا فضفاضا لإفشال المفاوضات حول الجولان بمطالبتها بمنطقة معزولة من السلاح في الجولان حماية للأمن القومي الإسرائيلي وذات مرة طرح وزير الخارجية الأمريكي " جيمس بيكر " على الرئيس الراحل حافظ الأسد هذا الموضوع بقوة فقال الرئيس الراحل حافظ الأسد للوزير الأمريكي " ليس سرا أننا نمتلك قوة من صواريخ سكاد واعتقد أن إسرائيل تتحدث عن نظرية للأمن الإسرائيلي قد عفا عليها الزمن فصواريخ سكاد السورية لم ننصبها على حدود الجولان المحتل ، بل أنها في عمق الأراضي السورية ومع هذا تستطيع أن تصل أهدافها في العمق الإسرائيلي ، فعن أي منطقة عازلة يتحدثون " .
رغم وجود قوة صاروخية سورية ضاربة فان الرئيس بشار الأسد تعامل دائما بسياسة ضبط النفس تجاه الاستفزازات الإسرائيلية ولكن إذا وقع العدوان الإسرائيلي فان ما ينتظر إسرائيل لاتستطيع احتماله وهذه الحقيقة تدركها إسرائيل ، ومن هنا جاءت تهديدات ليبرمان وهي عبارة عن قنبلة صوتية هدفها تحييد سوريا في حرب قادمة مع إيران وحزب الله ، ولكن توقيت التهديدات الإسرائيلية التي أيدها نيتنياهو تعطي دلالة على أن الحرب ضد إيران وحزب الله بدأت في مرحلة العد التنازلي وان الحرب لم تعد سوى مسالة وقت لا أكثر .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]