طموحات الطفل وقسوة الأب
بلغ الابن السادسة من عمره ودخل المدرسة وهو يحلم مع أقرانه بالنجاح والتفوق وحينما يعود ويلقي حقيبته بعد عودته من المدرسة يبحث عن والده ليحدثها عما يرسم عقله الصغير من تصورات لمستقبله ولكن والده لا يمنحه الفرصة فهو دائما مشغول تائه النظرات يرتاب في كل شيء. وهروبا من واقعه يلجأ الطفل الصغير دائما الى نسج القصص من وحي خياله مصورا حياة لا وجود لها في كنف والده المنحرف مخفياً عن اقرانه قصة غياب والدته التي تركت المنزل يائسة من حال زوجها. وبدلا من توجيه الصغير الى الحياة الصالحة وجد الوالد القاسي في ولده افضل وسيلة بريئة لتوزيع سمومه وتوصيلها للمتعاطين في منازلهم حتى لا يكتشف امره من قبل السلطات الأمنية والجيران متجاهلا ما قد يلاقيه فللذة كبده على أيدي هؤلاء المدمنين والمتعاطين من اهانات وتحرشات واعتداءات.
انحراف الابن
بعد مرور ما يقارب السبع سنوات على مداومة الابن العمل في هذه المهنة التي لم يخترها ولتوفر هذه السموم بين يديه، بدأ الفتى يبحث عن السعادة المفقودة في واقعه محاولا الخروج مما يعانيه من ضغوط وهموم حتى غرق في وحل المخدرات واصبح يتعاطاها ويطلبها بشكل كبير مما ادى الى وضوح نفقات ادمانه على دخل ايرادات هذه البضاعة وهو ما لاحظه والده المذهول مما اصاب ابنه وبدلا من الاتعاظ اخذ يحاسبه ويعاقبه ويطلب منه تعويض الخسائر ورفع ايرادات البضاعة المحرمة متجاهلا المصيبة التي وقع فيها الفتى المسكين بسببه، وواصل الابن الضحية طريقته في التعاطي والترويج وبدأ بالانجراف الكامل في عالم المخدرات حتى وصل لمرحلة متقدمة من الادمان متعاطيا معظم المخدرات مثل الحشيش والكحول والكبتاجون والتشفيط اذا لم يجد ما يسد حاجته.
ليلة القبض على الابن
وفي احدى الليالي وجدت الدوريات الأمنية الابن الضحية ملقى في حالة يرثى لها في احد الشوارع القذرة نتيجة زيادة جرعة مخدرة، ولصغر سنه تم نقله لمستشفى الأمل لعلاجه.. وقضى فترة لعلاجه وتأهيله ثم خرج ليعود لذلك الاب الذي بنى منزله على الانحراف والمخدرات، وفي دار والده وتحت ضغط الاب عاد الابن مرة أخرى لتجارة المحرمات وبالطبع عاد معها الى مستنقع التعاطي مرة أخرى، وذات يوم تناول الولد جرعة كبيرة مغشوشة فانتابته حالة هيجان نفسي شديد واخذ يصرخ ويقوم بافعال هستيرية في الشارع على مرأى من الناس، وحين لاحظه الجيران اخذوه الى المستشفى وحول لمصحة الامل دون ان يدركوا دور الاب في ايصال ابنه الى حافة الهاوية والضياع ومرة أخرى خضع الابن للعلاج عدة اشهر ثم خرج ليعود بعد شهر واحد للتعاطي في ظروف لا تقل سوءا عن سابقاتها.
المأساة تتكرر داخل المنزل
أثناء دخول الابن للمرة الرابعة للمستشفى وفي مرحلة من مراحل اليأس قرر بنفسه ان يضع حدا لمأساته وافصح للأخصائيين عن رغبته في الخلاص من حياته، وبعد ان هدأت حالته شرح للأخصائيين تفاصيل جديدة من معاناته واسراره وسبب تعاطيه مطالبا بمساعدته على العودة الى منزل والده مهما كان الثمن وكانت المفاجأة التي فجرها الشاب حين اخبر الأخصائيين عن مأساة جديدة في منزل والده الذي نزع من قلبه كل معاني الأبوة وتتلخص المعاناة في قصة شقيقته التي تبلغ من العمر (19) عاما والتي قال عنها الشاب «إن في وجهها نوراً كافياً ليضيء كل زوايا منزلنا» الا ان حياتها بحسب الابن تحولت الى جحيم لا يطاق رغم حلمها كأي فتاة بالحياة وان تكون ذات مستقبل، وان تعيش وسط اسرة مستقرة تنعم بالهدوء والسلام.
معاناة شقيقته
عرف الأخصائيون معاناة الابن الضحية حين طلب منهم انقاذ شقيقته من مصير محتوم بعد ان ذهبت ضحية صفقة مخدرات بين والده واحد تجار السموم.. يقول الابن «بينما كان والدي يستقبل احد تجار المخدرات الكبار لعقد صفقة ضخمة بمنزله، وكانت هذه الصفقة بالنسبة لأبي تشكل طموحا ماليا كبيرا، ولحرصه على انجاح هذه الصفقة نادى اختي وطلب منها احضار الشاي والقهوة وتقديمها للضيف المتربص.. لبت «شقيقتي» مكرهة رغبة والديب وعندوصولها لفتت بجمالها وصغر سنها انتباه تاجر البضاعة الذي أخذ يلتهمها بعيون اشبه بعيني ثعبان».
ولكن بحسب رواية الابن الضحية كان واضحا تجاهل الأب لنظرات المروج بل أجبر البنت على مواصلة الجلوس الى جوار التاجر الوحش الذي بدأ يخطط لشرط جديد غريب ضمن شروط اتمام الصفقة، وحتى يتحقق له هذا الشرط اخذ التاجر يماطل طوال الليل في شروط الصفقة ويؤخر التسليم مظهرا شروطا جديدة كل مرة.. وفي آخر الأمر صرح بشرطه المنحرف مفصحا عن رغبته في أن تكون البنت أحد مستلزمات اتمام الصفقة.. ثم اضاف بابتسامة صفراء بالحلال طبعا.
لحظة بيع الشرف
وحتى يتمكن تاجر السموم من اشباع غرائزه مع الفتاة المسكينة بطريقته عرض على والدها فكرة الزواج السريع منها، ولم يكن امام الاب الجشع الا الموافقة مؤملا في نجاح الصفقة التي تعده بالملايين، وهكذا تمت المأساة بدون شهود او اعلان وتم الزواج بطريقة مسرحية هزيلة في نفس المجلس.
وفي ذات الليلة اقتاد التاجر المجرم الفتاة الضحية للغرفة المجاورة في منزل الاب وهي تقاوم وتصرخ بمرأى من والدها الذي لم يستجب لنداءاتها وهي تصرخ «حرام عليك ياابي»!! اختلى التاجر المجرم بالفتاة الضحية واخذ منها اغلى ما تملك وجعلها تقضي بقية ليلها تبكي وصوت عويلها المتقطع يصل الى عنان السماء، بقيت طيلة ليلها وصباح اليوم التالي تبكي منهارة وهي تفكر في اسرع وسيلة للموت والخلاص من الألم والعار فكرت لحظتها اكثر من مرة في الانتقام من والدها المجرم الذي حرمها تحقيق حلمها وانتظار الفارس القادم لينقذها من ظلمه وتسلطه وتذكرت كيف كانت تحدث نفسها وصديقاتها عن حلمها في زواجها وتفاصيل بطاقات الدعوة التي ستوزعها على صديقاتها.وفي الليلة الثانية من الجريمة وبعد ان أرخى الليل سدوله تسللت من غرفتها عازمة على مغادرة هذا المنزل المشؤوم الذي هتك فيه عرضها وبيع فيه شرفها لتبحث عن مكان آمن، اتجهت الى أحد جيرانها وطلبت منه باكية ان يوصلها لمنزل جدها لأمها حيث تعيش والدتها هناك، فرَقَّ قلبه واخذها بمعية زوجته الى منزل جدها في ساعات الفجر الأولى، وحين طرقت الباب كانت والدتها على الباب وعندما رأتها احتضنتها مفجوعة وألقت البنت برأسها وهي تشهق في حضن والدتها وكان يكفي مرأى دموعها وشكلها ليحكي في قصة مأساتها.
النهاية
عرفت الأم قصة ابنتها وهدَّأت من روحها الثائرة وأثنتها عن تفكيرها في الانتحار، وللبحث عن حل سريع اتصلت الأم بأحد أقاربها والذي حضر على الفور لمساعدة الأم وابنتها للخروج من هذه الدوامة والخلاص من شرور الأب المجرم.. وبعد تفكير اتفقوا آخر الأمر على ضرورة العمل على تخليص أنفسهم والمجتمع من شرور (الأب الوحش) وهكذا تم التنسيق مع الجهات الأمنية التي بادرت بمراقبة الاب المروج الذي وقع بسهولة في شر اعماله، وتم اقتياده الى حيث يجب ان يكون، ومرة أخرى ألتم شمل الأسرة ولكن الجرح العميق الذي احدثه الأب لم يندمل بعد اذ فقدت ابنته أعز ما تملك الفتاة والأم مطلقة تنظر الى حياتها مع ابنتها وابنها الذي لم تتوقف مشكلاته النفسية والجسدية من آثار السموم التي كانت يتعاطاها على مدى سنوات