يتعرض المسجد الأقصى، مسرى نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى انتهاكات خطيرة وعملية تهويد كبيرة، ليس في سبيل الوصول إلى الهيكل المزعوم، حيث تقوم إسرائيل بتنفيذ عدة سيناريوهات لتقويض المسجد الأقصى وتقديمها للرأي العام بطريقة تبدو وكأنها طبيعية، مثل حقن الشقوق الدقيقة للصخور لتفتيتها، ورج الأساسات بخرق جدار الصوت بالطائرات النفاثة فوق منطقة الحرم بشكل مكثف، فيما يعتقد أن يقوم متطرفون يهود بقصف المسجد الأقصى بصواريخ "لاو" أخذت من مخازن الجيش الإسرائيلي، ناهيك عن فتح شبكة أنفاق تحت أساسات المسجد الأقصى، الأمر الذي جعله معلقا في الهواء. ورغم أن الكيان الصهيوني لم يعثر على أي شيء يدل على وجود الهيكل المزعوم بعد سنوات عديدة من الحفر، إلا أنه ماض في الحفريات، خاصة وأن كرامة المسلمين التي ظل يختبرها عبر إعلانه المتكرر عن تقدمه في الحفريات لم تنتفض انتفاضة قوية.
قاضي قضاة فلسطين ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقا، سماحة الدكتور تيسير التميمي، وتزامنا مع ذكرى النكبة المشؤومة، يسلط الضوء على هذه المخططات والسيناريوهات، في حوار مع "الشروق" في محاولة لتنبيه كل من يهمه الأمر، وخاصة المسلمين والمسيحيين، والهيئات الدولية المعنية بالتراث العالمي، وعلى رأسها اليونسكو، إلى المخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى كتراث ديني عالمي عريق.
الشروق: يتردد أن الكيان الصهيوني يستخدم مواد كيميائية لتقويض أساسات المسجد الأقصى من الداخل، لتسهيل انهياره، ما طبيعة هذه المواد، وكيف تعمل؟
ـ قاضي قضاة فلسطين الدكتور تيسير التميمي: المعلومات المتوفرة لدينا تقول بأن هذه المواد تحقن في الشقوق الدقيقة في الصخور، فتؤدي إلى تفتيتها وتحويلها إلى تراب، هذا ما توفر لدينا عبر ما ينشر في الصحافة الإسرائيلية، فنحن ممنوعون من أن نصل إلى أماكن الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى المبارك للاطلاع عليها، وقد طالبنا منظمة "اليونسكو" منذ سنوات بإرسال لجان تقصي حقائق لمعرفة حقيقة ما يجري، وما زلنا نطالبها بذلك، إلا أنها لم تستجب، ولكن هناك دلائل ومشاهدات واضحة للعيان، وهي فتح شبكة أنفاق تحت أساسات المسجد الأقصى المبارك، وحدوث انهيارات في ساحاته وانبعاجات في جدرانه، مما يدل على إذابة الصخور التي يقوم عليها بنيان المسجد.
حذرت بعض الأوساط الإسلامية في القدس من أن تقوم طائرات صهيونية بخرق جدار الصوت فوق منطقة الحرم بشكل مكثف، هل يمكن أن تؤدي هذه العملية إلى تدمير المسجد الأقصى؟
ـ هناك أكثر من سيناريو لذلك تعد له إسرائيل، فقد أعلنت إسرائيل في فترات متفاوتة أن جيشها اكتشف فقدان كمية من صواريخ "لاو" من مخازنه استولت عليها جماعات يهودية متطرفة، وحذر من إمكانية استخدامها في قصف المسجد الأقصى المبارك، وبعد الحفريات المتواصلة تحت أساسات المسجد الذي أصبح معلقا في الهواء يمكن أن تقوم إسرائيل بإرسال طائرات لإجراء عمليات تفريغ صوت تؤثر على بنيانه، ومن الممكن حدوث مؤثر طبيعي كالهزة الأرضية أو الزلزال حتى يبدو انهيار المسجد وكأنه جاء بسبب ذلك العامل الطبيعي، وكل ذلك يهدف إلى هدم المسجد وإقامة الهيكل المزعوم في مكانه.
وما حقيقة تخطيط الكيان الصهيوني لتدمير المسجد الأقصى عن طريق إحداث زلزال اصطناعي، خاصة وأن مصادر أمريكية تحدثت عن توقعات بحدوث زلزال عنيف يضرب الشرق الأوسط، وكثير من المتتبعين ربطوا الأمر بمخططات تهديم الأقصى؟
ـ نعم، فمن السيناريوهات المحتملة أن تقوم إسرائيل بإحداث زلزال اصطناعي يؤثر على طبقات الأرض السفلية، كإحداث انفجار في منطقة قريبة من المسجد الأقصى المبارك مثلاً، مما سيؤثر بالتأكيد على بنيانه.
ما الخطر الذي يتهدد باب الرسول- صلى الله عليه وسلم- الذي عبر منه في ليلة الإسراء والمعراج؟
ـ وهو باب النبي، وقد سمي فيما بعد باب المغاربة، وتسعى إسرائيل إلى تهويده، فقد استولت على مفاتيحه منذ احتلال القدس عام 1967، ويمنع المسلمون من استخدامه لدخول المسجد الأقصى المبارك.
وبعد أن هدمت إسرائيل الممر التاريخي المؤدي إليه عام 2006، تسعى الآن إلى بناء ممر يؤدي إليه يتسع لآليات عسكرية ضخمة وآلاف الجنود تسهيلاً لعمليات اقتحام المسجد الأقصى المبارك، حيث إن عمليات الاقتحام اليومية الحالية للمسجد من قبل الجنود والجماعات اليهودية المتطرفة وساسة إسرائيل وأعضاء الكنيست الذين يقودون هذه الاقتحامات تتم عبر هذا الباب، وتسعى إسرائيل من خلال مخططها إلى تقسيم المسجد المبارك بين المسلمين واليهود واعتماد هذا الباب ليكون المدخل الرئيس لهم إلى ساحات المسجد.
حفريات كثيرة تعرض لها المسجد الأقصى منذ سنوات طويلة ولكنه مازال صامدا حتى الآن، ما تفسير ذلك؟
ـ يعود ذلك إلى أن هذا المسجد مقام على هضبة صخرية تحاول إسرائيل بشتى الوسائل إذابة وتفتيت هذه الصخرة بأحدث آلات الحفر وبالمواد الكيميائية، وبفتح شبكة كبيرة من الأنفاق، وقد تأثر بنيان المسجد كثيرا، كما ذكرت آنفا، وليس من المؤكد أن إسرائيل ستنجح في تحقيق هدفها، هدم المسجد الأقصى المبارك وإقامة الهيكل المزعوم مكانه.
لم يرد هدم المسجد الأقصى ضمن علامات الساعة الصغرى أو الكبرى، بل ورد في الأحاديث أن سيدنا عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان في المسجد الأقصى ويصلي مع المسلمين مؤتما بالمهدي المنتظر، أليس هذا دليلا على أن المسجد الأقصى لن يهدم؟
نعم، لا يوجد هناك أي دليل على أنه سيهدم، ونتمنى على الله أن يبقى المسجد الأقصى المبارك صرحا شامخا عصيا على الاحتلال ومخططاته، ونحن نعلن ما تقوم به إسرائيل وما تعلن عنه من نواياها لهدم المسجد وتقويض بنيانه حتى نتصدى لهذا المخطط الصهيوني الذي يسعى إلى تحويل مسرى نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-، أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، إلى هيكل يهودي، لعل الأمة تستيقظ من نومها وتستفيق من غفلتها وتواجه المشروع الصهيوني بعمل مادي للحفاظ على المسجد وحمايته من المخططات الإسرائيلية، وحتى لو هدم المسجد الأقصى المبارك، لا قدر الله، فلن يغير ذلك حقيقته المكانية، فسيبقى مسجدا إلى سابع سماء إلى سابع أرضين.
كيف يمكن أن ينصر المسلمون المسجد الأقصى؟
ـ بوضع استراتيجية ومشروع إسلامي عربي فلسطيني لمواجهة المشروع الصهيوني، تحشد فيه كل القوى والمقدرات المادية والبشرية للأمة لتحرير المسجد الأقصى المبارك، ولنا في سلفنا الأسوة الحسنة، كما فعل نور الدين زنكي، ومن بعده صلاح الدين الأيوبي، الذي وحد الأمة وعمل على تضافر طاقاتها وجمع قواها المادية، وكل من يخالف هذا المشروع أو يعرقله ينبذ ويخرج عن إجماع الأمة، لأن إسرائيل استفادت كثيرا من الانقسام بين فتح وحماس، وكذلك في الفرقة وعدم الاتفاق بين الدول العربية والتخاذل بين الدول الإسلامية، وإنني أفتي بأن من أوجب الواجبات على الأمة في هذا العصر تحرير مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالنفس والمال والكلمة.