من
المعروف منذ الأزل أن الأسرة هي عماد المجتمع والوطن، وجميع الآراء تتفق
على أنها الركيزة الأساسية للحياة الإجتماعية والإنسانية إذا ما بنيت
وتأسست بدعائم موثقة ومتينة، من روابط قوية ومتلاحمة وعلاقات حميمة ذات
أخلاق تربوية حميدة..
ولأن
الأسرة عبارة عن مجتمع مصغر في كيان المجتمع الوطن وهي الواجهة
المعكوسة
لنجاحه وتطوره، فيجب أن تكون مترابطة ليتحقق هذا النجاح بمبادئ وقوانين
وتقاليد وأعراف مثالية من دونها يحدث صدع وشرخ كبير في الأسرة ويؤدي
إلى
تفكك أسري تختل معه الموازين للقوانين المرسومة للأسرة الناجحة، ويؤثر ذلك
بدوره على الأفراد داخلها وينتقل بعدها إلى المجتمع والوطن بأكمله..
فإذا
تمعنّا النظر جيداً داخل المجتمع العربي وبعد رياح الغرب الفاسدة التي هبت
عليه وتقلد بتقاليده، وخاصة في الدول التي تشكو من إنهيار إقتصادي وأمني
نرى ظاهرة التفكك الأسري تنتشر بكثرة لتحولها إلى مجتمعات مادية متفككة
ليس
لها هم إلا المصالح الشخصية الأنانية ويملأها الجهل وعدم الوعي التربوي
وضعف الرقابة الإجتماعية التي تسبب لأفرادها الإبتعاد عن بعضهم وتضعف
الترابط الأسري فيما بينهم..
ولكن
أهم عامل في هذه الظاهرة والذي يلعب دوراً بارزاً في التفكك الأسري هو
حالة الفقر، التي تسيطر على كثير من الأسر العربية بعد أن هيمن الغلاء
العالمي عليها، فسبب مشاكل كثيرة في الأسر وأدى إلى الخلافات والنزاعات
بسبب عدم تأمين مستلزمات الحياة الضرورية، فجعل من جو الأسرة مشحون
بالقلق
والخصام وعدم الإستقرار حتى أنه يصل إلى حد العنف اللفظي النابي أو العنف
الجسدي الذي يدفع الأفراد إلى طريق عدم الإحترام المتبادل فيما بينهم ويمكن
أن يصل الأمر في النهاية إلى الإنفصال أو إلى تعدد زيجات الرجل.
مما
يدفع الأبناء إلى حالة من عدم الإستقرار النفسي تضطرهم إلى التمرد على
أسرهم من إنعكاس جو الأسرة عليهم، فينحرف من ينحرف منهم أو يصيبهم
بعض
العقد النفسية التي تسيطر على إتخاذهم للقرارات المتعلقة بمصير حياتهم
المستقبلية...
ولا ننسى دور
الأم الرئيسي في تلك المسألة الخطيرة نظراً لغيابها خارج بيتها إما بسبب
العمل أو بسبب حالة الإنفصال وإنصرافها عن مسؤولياتها كأم وزوجة وربة
بيت.
مسؤوليات عليها أن تقوم بتأديتها على أكمل وجه حتى لا تبوء العلاقة الزوجية
بالفشل وتتفكك الأسرة..
ونأتي
إلى ما هو أخطر عامل في هذه الظاهرة وهو إنعكاس تأثير وسائل الإعلام
الغربي على مجتمعاتنا، وإنشغال الأسر بالتلفاز الذي يأخذ كل أوقاتهم
ويصرفهم عن تواصلهم ببعضهم، كما أن الإنترنت الذي أصبح في الآونة الأخيرة
آفة العصر في نواح معينة بعد أن أحتل بوجوده كل بيت وشغل أوقات الكبير
والصغير من أفراد المجتمع، فأنعكست سلبياته الخطيرة على شبابنا وفتياتنا
ومنعتهم من التواصل الأسري والترابط العائلي وخصوصاً الذين يعانون من
مرض
الإدمان على الإنترنت الذين نهارهم ليل وليلهم نهار!!!
وأخيراً
لكي لا نقع في أهوال هذه الظاهرة علينا بالتوعية الثقافية وتجنب بعض
العادات والتقاليد السيئة التي تسبب هذا التفكك في مجتمعاتنا، وعلى المجتمع
أن يكثف إهتماماته بالجانب الأسري ويؤمن الوضع الإقتصادي الجيد للمواطنين
حتى تنعم الأسرة بالعيش الكريم.
والدولة
بدورها عليها أن تضع برامج هادفة تربوية وتوعية ثقافية شاملة من خلال
وسائل الإعلام التي تساعد الأسر على فهم كيفية تعليم أبناءهم التربية
السليمة، التي تؤدي إلى التواصل الفكري والترابط الأسري فيما بينهم.
فنستلخص
من ذلك كله أن عدم إظهار الخلافات العائلية أمام الأبناء وتحمل الآباء
مسؤولياتهم بشكل كامل، ووجود رب الأسرة بإستمرار داخل بيته الأسري وحل
الخلافات بالعقل والحكمة، وتحمل الدولة مسؤولياتها تجاه مواطنيها من ناحية
الحالة الإقتصادية والأمنية، ينتج عنه الإستقرار في الأسرة والمجتمع
بكامله.
فالأسر المتماسكة
والمترابطة تحقق لأبنائها التفوق في مستقبلهم وتدفعهم نحو بناء وطن يتمتع
بنجاح إقتصادي وإستقرار أمني وتبعدهم عن الإنحراف والإنهيار النفسي
والوقوع
في بؤرة التفكك الأسري
منقول