دعت منظمة التربية والعلوم والثقافة، اليونسكو، التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالتراث الثقافي العالمي، كافة الأطراف في ليبيا للحفاظ على الكنوز الأثـرية للبلاد، بما في ذلك المستعمرة اليونانية السابقة (سيرين) والمعروفة حاليا باسم مدينة قورينا ومعبد أبولو الموجود بها. لكن هذه المنظمة التي شفها حال ومستقبل ''الآثار'' في هذه البلاد، لم تتفوه بنصف كلمة حول وضع الليبيين الذين يسقطون سواء بالنيران الصديقة أو بنيران قوات التحالف الذي تقوده فرنسا وأمريكا وبريطانيا باستعمال أحدث الأسلحة والذخيرة.
وقد تكون مسؤولة اليونسكو قد صدقت كلام وزير الخارجية الفرنسي، ألان جوبي، الذي قال إن الطائرات الحربية التي تقصف ليبيا منذ قرابة أسبوع من دون انقطاع، ليلا ونهارا، لم تتسبب في سقوط ضحايا من المدنيين، وكأن هذه الطائرات تقصف في صحراء قاحلة لا يوجد فيها سوى الحجر. فهل توجد هناك حرب من الحروب على مر العصور والأزمنة، وقع فيها تفريق بين المدنيين وبين العسكريين عند إطلاق النار؟ لقد قيل بالأمس عند غزو العراق، بأن عاصفة الصحراء هي عبارة عن عملية جراحية دقيقة تستهدف فقط جيش صدام حسين، قبل أن يتبين للرأي العام العالمي أن الضحايا المدنيين كانوا في مقدمة المستهدفين في تلك الحرب وأول من دفع الفاتورة.
لا توجد حرب نظيفة وأخرى قذرة مهما كانت نوعية التكنولوجيا المستعملة فيها، بل كل الحروب، هي حالة من الجنون، إن لم يكن الجنون نفسه الذي يدفع إلى شنه تجار السلاح وسماسرة تنظيم عقود البيع والشراء بملايير الدولارات، لتحقيق أغراض أصحاب المصانع الحربية فقط، دون أن تكون الإنسانية في أي حاجة ماسة إليه، لأن الحرب تزيد في الأحقاد بين الشعوب ولا تنقصها مهما كانت نتائجها والمنتصر فيها.
كنت أنتظر من منظمة مثل اليونسكو، التي تدافع عن التراث الإنساني وتدفع الملايير من أجل صونه والحفاظ عليه، أن تدعو الشارع الدولي للضغط على حكوماته من أجل وقف الحرب في ليبيا اليوم قبل الغد، أو على الأقل أن ترفع يدها بالدعاء لأن يمر هذا القصف الجوي لطائرات التحالف بردا وسلاما على المواطنين الليبيين، وليس التفكير في كيفية الحفاظ على ''الحجر'' قبل أو دون ''البشر''. لو وقع الذي يجري في ليبيا اليوم، في أي بلد أوروبي، هل كانت اليونسكو تتحسر على الحجر أم تبكي وتدعو لتوقيف الحرب على البشر ؟ ما أسوأ وأتعس أن يتحول الحجر في عهد اليونسكو إلى أغلى وأهم من البشر.