ما حدث في تونس يوم 14 جانفي 2011 يمثل منعرجا حاسما في تاريخ تونس المعاصر وتاريخ العالم العربي. فلأول مرة في التاريخ يتمكن شعب عربي إسلامي من إزاحة ''ديكتاتور'' من على رأس السلطة عن طريق التظاهر السلمي في الشوارع.
ولأول مرة في تاريخ العالم العربي يفر حاكم عربي من بلده، على جناح السرعة، ويجد مطارات الدول الشقيقة والصديقة موصدة في وجهه وفي وجه أفراد عائلته.
ولأول مرة أيضا يثبت شعب أبي، عانى الحفرة والاستبداد والبطش، أن إرادة الشعوب فوق كل الديكتاتوريات مهما تفننت في تخويف الشعب وقمعه وتعذيبه وتجويعه وتقتيله.
ولأن الضغط يولد دائما الانفجار، فقد تمكن التونسيون من الخروج من سباتهم العميق وتحدوا آلة القتل بطريقة تفرض الاحترام والإعجاب، لأن مجرد انتقاد النظام في تونس يؤدي بالمواطن إلى السجن، أما أن يخرج المواطنون إلى الشارع ويرفعون شعارات معادية للنظام وتطالب بن علي بالرحيل، فهذا شيء لم يكن يتوقعه أي ملاحظ.
إن ثورة التونسيين لم تكن من أجل الخبز والحليب وضد غلاء المعيشة، وإنما كانت ثورة ضد الاستبداد والديكتاتورية ومن أجل الكرامة والديمقراطية والحريات الفردية والجماعية. ففي تونس وفي غيرها من الدول العربية تسيطر الأنظمة القائمة بقوة الحديد والنار على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسمحت لنفسها بخوصصة البلدان التي تحكمها دون حسيب ولا رقيب. وتحولت الجمهوريات إلى جملوكيات وتحول الحاكم المنتخب إلى رئيس لمدى الحياة وأكثـر من ذلك أصبح زبانية بعض الأنظمة العربية يطالبون بتوريث الحكم، في وقت كان يتعين على هذه الأنظمة الفاسدة توفير الظروف المناسبة لفتح المجال السياسي والإعلامي وترقية الحريات الفردية والجماعية، بدل ترقية أساليب النهب والفساد والرشوة. إن ما حدث في تونس ليس مجرد سحابة عابرة، ويدعو الأنظمة العربية الفاسدة إلى التفكير مليا في تحسين ظروف معيشة مواطنيها، بإرساء دولة القانون وترقية الديمقراطية والحريات وإحداث قطيعة حقيقية مع أساليب الحكم القائمة