نضال ليلى إدارية مميزة
عدد المساهمات : 496 تاريخ التسجيل : 28/11/2009
| موضوع: المليحة ..والخمار الأسود !! السبت يناير 01, 2011 3:37 am | |
| المليحة ..والخمار الأسود !! بقلم : الدكتور كامل خورشيد
كان الشاعر المغني الظريف " ربيعة بن عامر " الملقب ب " الدارمي " قد عاش في العصر الأموي في الحجاز ، متنقلا بين مكة والمدينة ، ولكنه وبعد أن تقدم به العمر وأخذت منه السنون مأخذا هجر الشعر والشعراء ، وأعتزل الطرب والغناء ، وأنصرف عن شؤون الدنيا معتكفا لوحده زاهدا متعبدا في مسجد صغير ! وفي إحدى زياراته للمدينة التقى بصديق قديم له من أهل العراق ، وكان هذا الصديق تاجرا معروفا للأقمشة ، ومن ضمن تجارته نوع من القماش يسمى الخمر ( بضم الخاء والميم ومفردها خمار بكسر الخاء) ، و هو قطعة قماش تغطي بها النساء وجوههن ، ويسمى بالعراق ( البوشي ) وفي الخليج ( المسفع أو الشيلة ) ، والنوع السميك منه يسمى ( النقاب ) الذي يغطي كامل الوجه . وكان هذا التاجر وجد صعوبة جمة في تصريف بضاعته في المدينة ، ، فلم يفلح في بيع أية قطعة من القماش ، لا سيما وأن لون الخمار كان أسودا ، وهو لون لم يكن مرغوبا من النساء حتى ذلك التاريخ ، فشكا التاجر لصديقه الدارمي هذا الأمر ، وأظهر ندما على هذه الصفقة الخاسرة الكاسدة ، والخوف من العودة إلى بغداد بخفي حنين !! إلا أن الشاعر الظريف الدارمي ، الذي أهتم بمشكلة صديقه ، سرعان ما خلق له خياله الشعري حلا سحريا ، لم يخطر على بال التاجر ، فقال له : لا تبتئس يا صديقي التاجر، غدا إن شاء الله ستبيع كل قطع الخمار ، فسأله صاحبه : كيف ؟ فأجاب : إن غدا لناظره لقريب ، فأصبر اليوم وسترى النتيجة في الصباح !! وفي الصباح ، كان الشاعر المغني ربيعة بن عامر" الدارمي "يطوف الأسواق وشوارع المدينة وهو يغني هذه الأبيات التي نظمها خصيصا للخمار الأسود، حيث أثار الناس وهو ينشد بصوت شجي، أخاله كصوت المطرب الشامي صباح فخري وهو يغني : قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد ؟! قد كان شمر للصلاة ثيابه حتى وقفت له بباب المسجد ؟! فسلبت منه دينه ويقينه وتركته في حيرة لا يهتدي ؟! ردي عليه صلاته وصيامه لا تقتليه بحق دين محمد ؟!
والمليحة ، بلغة العرب صفة الفتاة فائقة الجمال ، حيث كان أسم " الملح " يطلق في ذلك الزمن على " السكر " فيقال " مليح " أي حلو ، وقد حورتها بعض اللهجات العربية لاحقا إلى " منيح " ، ومليحة يراد بها حلوة ، فأنتشر في المدينة خبرا كالنار في الهشيم ، يقول بأن الشاعر ( الدارمي ) رجع عن تنسكه ، وعشق المليحة صاحبة الخمار الأسود ، فلم تبق في المدينة امرأة ولا شابة إلا وسارعت لتشتري خمارا اسودا ، ولما تيقن ربيعة بن عامر الدارمي من أن صاحبه باع كل ما لديه من خمر سوداء ، ترك الغناء وعاد لزهده ونسكه وعبادته ، ويقال أنه منذ ذلك الحين لازم الخمار الأسود المرأة العربية ، مليحة كانت .. أم فليحة ، فطومة كانت ... أم صبيحة !! | |
|