الأقصى.. ونحن!
إذا سألني أحد ما أين أسكن؟ أجيب: في أحد الأحياء القديمة بمدينة عدن العبقة برائحة تاريخ عمره أكثر من ثلاثة آلاف عام.. يحيط بمنزلي خمسة جوامع كبيرة وبضع مساجد صغيرة غير بعيدة عن الحي.. في الجمعة الماضية، قبل هذه الجمعة، أعلن عبر الفضائيات الإخبارية أن تلك الجمعة ستكون من أجل نصرة القدس. وعندما أصبحنا فيها واقترب وقت الآذان، لبست ثيابي وفي أثنائها بدأ خطيبا الجامعين القريبين من منزلي، بعد الأذان، من إلقاء خطبتيهما عبر مكبرات الصوت متعمدين رفع مستوى صوت المكبر فيها بدون سبب كعادتهم حتى يستحيل عليك سماع من يخاطبك في المنزل من دون صراخ!.
بدأ الخطيب الأول يتحدث في خطبته عن الوضوء وأهميته في حياة المسلم ولماذا نتوضأ.. الخ. أما الثاني، فقد بدأ خطبته عن الشباب المؤمن وكيف له أن يتعلم ويقتدي بمن سبقوه في الإيمان من المؤمنين المسلمين السابقين الصحابة والتابعين. قلت في نفسي لعل الخطيبين لم يسمعا عن نصرة الأقصى!! فقررت الذهاب إلى أقرب جامع ثالث بعدهما مسافة؛ ومع اقترابي من الجامع ذهلت لما سمعته؛ إنه يتحدث عن مآثر غزوة أُحد والوقعة التي وقع فيها المسلمون لمخالفتهم تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم.. فتوجهت إلى اتجاه آخر وحثت الخطى لألحق الجمعة في الجامع الرابع، فإذا بي أسمع الخطيب يتحدث عن غزوة خيبر وما أدراك ما خيبر؟!. لم أشأ أن تفوتني الجمعة هرولت مسرعا لأدخل إلى الجامع الخامس والعرق يتصبب من جسمي وقعدت مع القاعدين استمع إلى الخطبة الثانية؛ فإذا بالخطيب يتكلم عن علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وضرب مثلا بقوة الرسول التي عادلت ستين رجلا في زمانه، كما قال، حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان ينكح زوجاته كلهن في ظرف ساعة واحدة.... لا حول ولا قوة إلا بالله؛ تالله من هكذا خطيب، يعرِّف الناس بقوة النبي عبر النكاح وليس بالغزوات والحروب التي قادها في حياته كلها وصبره على الكفار..
بعد تأدية صلاة الجمعة خرجت من الجامع ممتعضاً وقلبي ينفطر كمداً، أين القدس منا؛ بل أين نحن منها؟ في أي عصر نحن نعيش؟ ألا يستشعر هؤلاء القوم بالخطر المحدق علينا أمة الإسلام، أم تراهم لايقرؤون الصحف ولا يشاهدون الفضائيات أو يسمعون الإذاعات؟؟ أم أنهم يعتبرونها من المحرمات كما يحلو لبعضهم الإفتاء بذلك؟؟ ما فائدة خطبتي وصلاة الجمعة إن لم يتم فيها مناقشة أمور الناس والمسلمين الآنية؟ ما الفائدة من التقاء المسلمين وتجمعهم في يوم الجمعة إن لم تمتلئ قلوبهم حماساً تضامناً مع القدس وأبناء القدس والدعوة لهم بالصمود؟ إن ما تكلم به خطباء الجوامع كان من الممكن تداوله في أوقات أخرى غير يوم الجمعة حيث تلقى العديد من الدروس يومياً ما بعد صلاة المغرب وأذان العشاء.. متى سنقف لنصرة الأقصى إن لم نقف يوم الجمعة، والآن؟
لا يكفينا خروج الجماهير في العاصمة صنعاء فقط، دون بقية المدن الرئيسة في المحافظات الأخرى، بعد صلاة الجمعة لنصرة الأقصى والتحدث "بفخر" عن ذلك الإنجاز وتلك التظاهرة في الصحف الرسمية وبثها عبر الفضائية وكأننا بها قد حررنا فلسطين!.. ذكرتني هذه الواقعة بقصة البطل الشهيد الإمام القسَّام، عندما ارتحل من سوريا إلى فلسطين بعد احتلالها من اليهود ليجد الناس هناك شبه نيام لا يخطبون في الجوامع في أيام الجمعة إلا عن السيرة النبوية وسير الصحابة عليهم رضوان الله والتابعين، في الوقت الذي يبلع اليهود أرضهم فلسطين بلعاً لا مثيل له؛ ما جعله يهم بهم ويفيقهم من غفوتهم ويشد من أزرهم ويصحح طريقهم ويعينهم على رؤية عدوهم بعلمه وعمله؛ وبذلك تشكلت أولى خلايا المقاومة ضد الاحتلال..
وإني لأرى أننا في اليمن نعيش تلك الفترة نفسها، ما قبل مجيء القسَّام إلى فلسطين.. في يوم الجمعة الفائتة تكرر المشهد نفسه بخطب "عقيمة" قد سمعناها آلاف المرات! أما لهذه الأمة أن تستفيق من سباتها؟ إن العالم في واد ونحن في واد آخر! أين تلك الجهة الحكومية التي لا تألو جهداً في إنزال خطب مركزية إلى خطباء الجوامع ليلتزموا بقراءتها على المصلين عندما تستشعر بخطر ما يهدد السلطة؟ أين غيرة الفقهاء الناصحين على الإسلام والمسلمين؟ أو لم يدركوا بعد أن فقدان الأقصى يعني فقدان الحرم المكي؟ ألم يقل الله سبحانه وتعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.." الإسراء (1)؟
لقد ربط الرحمن المسجد الحرام في مكة بالمسجد الأقصى في فلسطين، وزعماؤنا لا يزالون يصرّون عمداً على جعل الأقصى قضية منفصلة عن بقية الشعوب العربية والإسلامية وأنها من اختصاص الفلسطينيين وحدهم، وفقاً لاتفاقية أوسلو وخطة الطريق، كما يحدث الآن للأسف!!. سألت، بعد الصلاة، واحدا من الأطفال يدرس في الابتدائية، عما يعرفه عن المسجد الأقصى؟ أجاب وبسرعة: إنه في غزة!!. دارت بي الدنيا من هول الصدمة.
سألته من جديد: وأين تقع غزة؟ فكر قليلاً وقال: في الضفة الغربية بفلسطين!!. وهذه صدمة أخرى!!.. الجيل الجديد لا يستطيع التفريق بين غزة والضفة، بل لا يفقه أهمية فلسطين للمسلمين فكيف سيعرف ما الأقصى أو القدس؟.. هذا هو الجيل الذي نفخر به وهو لا يتقن إلا مشاهدة الرسوم المتحركة وأغاني الفيديو كليب، وبالمناسبة اعتقد أن أغنية فيروز الشهيرة "زهرة المدائن" قد أُعدمت ليس من فضائياتنا فحسب، بل ومن مواقع النت العربية كافة، وأتحدى من يستطيع تحميلها أو حتى سماعها ولو من فضائياتنا التي قتلتنا بترديد القدس قدسنا وفلسطين عربية!.. نـادر عبد القدوس ماجستير علوم اقتصادية بكالوريوس قانون الجمهورية اليمنية/ عـدن
Read more: الأقصى.. ونحن! | وطن
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]__________________