بعض الرجال يرى في الزواج نعمة تؤمّن له الاستقرار والطمأنينة، وبعضهم الآخر يرى فيه نقمة تثقل كاهله بمسؤوليات تنهي أحلامه ورغباته. ما الأحلام والرغبات التي يقضي عليها الزواج؟ وماذا لو لم تكن متزوجاً؟
من الأقوال المأثورة أن «المرأة تبكي قبل الزواج، في حين يبكي الرجل بعد الزواج»، وإن «الرجال يحلمون قبل الزواج ويستيقظون بعده». قد تبدو هذه الأقوال صحيحة أحياناً، علماً بأن منها ما ينطبق على فئة كبيرة من الناس. فأغلبية الرجال يحلمون بأمور كثيرة قبل الزواج. منهم من تكون أحلامهم مادية بحتة، وآخرون يحلمون بالاستقرار النفسي والعاطفي والاجتماعي. لكنْ، ثمة أحلام كثيرة أُخرى تبقى معلقة في أذهان الشباب بعد الزواج، كاقتناء سيارة سباق رياضية، ويخت سريع، ومصاحبة الجميلات، والخروج والسهر والسفر، والانتقال من وظيفة إلى أُخرى، وغير ذلك من الأمور. فماذا يغيّر رجال تزوجوا واختبروا الحياة الزوجية في حياتهم لو عادوا إلى حياة العزوبية؟ الجواب في هذا التحقيق.
عيب
«كنت سأخرج كل يوم مع فتاة جديدة، جميلة الوجه والجسد». ما إن ينطق غانم (مصرفي) بهذه العبارة، حتى تحاصره نظرات الحقد من كل صوب، ويأتي أولاها من جانب زوجته التي تتأبط ذراعه، وتشد بقوة معلنة عن وجودها، فيتدارك متسائلاً بخبث: «حبيبتي أنت هنا؟». يضحك غانم، يتناسى من جديد وجود زوجته التي ارتبط بها منذ 10 أعوام حيث أنجبا 3 أولاد، ليعود ويكمل حديثه قائلاً: «النساء الجميلات والجنس، من أهم الأمور التي تشغل بال الرجل المتزوج وغير المتزوج، ومن لا يوافق على هذه الحقيقة، إنما يختبئ وراء إصبعه».
أمير الشريف: أقوم بأمور لا يفكر فيها رب الأسرة المحترمهذه المرة، يقرب غانم زوجته منه، يكاد يلتصق بها، يرتب حجابها بحركة عفوية، ويقول: «التفكير في النساء حكر على الرجل العازب، وهذا من حقه. أما بالنسبة إلى المتزوج، فمن العيب أن يتمادى في تفكيره هذا».
ماديات ومظاهر
أما بالنسبة إلى جاد صبرا (مهندس كهربائي، لديه ولد وحيد) فهو يعتقد أن «السيارة الراقية واليخت الفخم والمظهر الخارجي للرجل، من أهم العوامل التي تجذب النساء، وبالتحديد الجميلات منهن».
وحتى لا يُفهم كلام جاد بشكل خاطئ، يتابع موضحاً: «لو كنت غير متزوج، أي غير ملتزم بأسرة من الناحية الأدبية والاجتماعية والمادية، كنت سأطمح إلى اقتناء سيارة سريعة، أو يخت جميل أبحر به إلى شواطئ لا أعرفها. كذلك كنت سأسعى إلى أن أحافظ على مظهر أنيق وجذاب، وذلك لأرضي رغباتي الشخصية فقط، لا لأوقع بالنساء». يضيف: «موضوع النساء لا يعنيني كبقية الرجال، ولا يعود ذلك إلى كوني أختلف عنهم، إنما لأن تجربتي مع زوجتي التي تناهز الخمسة أعوام، أكثر من رائعة. وبصراحة: لو كنت عازباً لَمَا كنت لأفكر في امرأة غيرها».
سفر
«لو أنا عازب اليوم، فلن أغيّر حياتي فقط، بل اسمي وجنسيتي أيضاً». يتنهد مروان عيد بحسرة، يبدو كمن يسخر من واقعه الذي يعيش، يقول: «للأسف، أنا أب لطفلتين، وعاجز عن تغيير شيء صغير في حياتي الرتيبة». يعمل مروان في شركة تأمين منذ ما يقارب 20 سنة، وهو يلفت إلى أنه كان يشعر بملل وبسأم مرير خلال هذه السنوات». يضيف: «كنت قد خططت قبل الزواج لمستقبل مختلف، وعزمت النية على أن أهاجر إلى بلد أجنبي لأحصل على جنسية تحترم كرامة الإنسان، ولكن..».
يعجز مروان عن متابعة حديثه، يعلق قائلاً: «لا أريد أن أقلبها دراما، لكن هذا الحلم بات بعيداً وكان عليَّ تحقيقه قبل الزواج، لكنني لم أعد أفكر فيه الآن، فأنا مشغول بأمور أُخرى».
في السياق نفسه، يعترف محمد أبوحسين (مدير مصرف) بأن «الحلم بالسفر، بهدف السياحة في بلدان العالم، وليس من أجل الحصول على جنسية، كان سيلوّن حياتي لو لم أتزوج منذ 26 عاماً وأنجب أربعة أولاد». يؤكد محمد أنه يتجاوز خيبة الأمل هذه «عندما أرى أولادي» بحسب ما يقول، لافتاً إلى أنه يفرح بحق عند نيلهم الشهادات العالية من الجامعات المهمة والمعروفة. ويختم قائلاً، بينما الدموع تلمع في مقلتيه: «لا أريد حياة من دون أولادي، فأنا أعيش بهم ولأجلهم».
تطوير عملي
«بالتأكيد كنت سأغير مهنتي وأريح نفسي وأعصابي من التدريس». هذا بالتحديد ما يرغب محمود كمال في تغييره، لو كان غير متزوج، يقول: «أنا مدرس متزوج منذ 34 عاماً، وعندي ولدان. كما أنني سئمت مهنة التعليم، وأود لو تتاح لي الفرصة لممارسة مهنة أُخرى أقل تعباً وشقاء وأكثر منفعة، غير أن تكوين الأسرة والانشغال بمتطلباتها، من الأسباب التي جعلتني لا أجرؤ على القيام بمثل هذه الخطوة».
هل من الممكن أن يتمنى المرء العودة إلى الوراء، للقيام بهذه الخطوة؟ يتساءل محمود، ليعود ويجيب بنفسه بسرعة عن هذا قبل أن يخونه تفكيره، يقول: «لو عدت إلى الوراء لفكرت في إنجاب ولديّ من جديد. فهما اليوم حلمي ومستقبلي وحياتي».
مصنع ملابس
صحيح أن سعودي السيد يعمل سائقاً، إلاّ أن حلمه ببناء مصنع ملابس لم يتحقق بعد. وهو يشير إلى أنه أجله عندما تزوج منذ ثلاثة أعوام، وتفرغ لتربية الطفلة الجميلة التي رزقه الله بها.
تأجيل الحلم الذي يتكلم عنه سعودي، يحمل في طياته خوفاً من المجازفة بحق أسرته، وضياع ما يملكه وما يخطط له. فهو ليس مسؤولاً عن زوجة وطفلة فحسب، إنما أيضاً عن أهله، ولديه الكثير من الالتزامات التي تمنعه من جمع المبلغ المناسب لبناء المصنع الحلم.
أما فيصل عيسى، ضابط الشرطة المتزوج منذ ستة أعوام، فيقول: «كنت لأغير أسلوب حياتي بالكامل، لو أنني غير مسؤول عن زوجتي وابنتي». وإذ يشير إلى أن «الزواج مسؤولية، بل مجموعة من المسؤوليات»، يلفت إلى أنه «لهذا السبب، هناك أحلام كثيرة تتوقف عنده بهدف التفرغ له وإنجاحه». يضيف: «كنت أتمنى أن أصبح إعلامياً كبيراً لو بقيت عازباً، لكن، حفظ الله أسرتي فهي الآن أعز من كل شيء».
زواج وليس قفصاً
«من يعتبر الزواج قفصاً يقيد رغباته ويقفل عليها، هو إنسان فاشل»، خبرة 20 عاماً في الزواج، كانت كفيلة بإعطاء كلام ماجد محمد (مهندس حدائق عامة) خبرة خاصة في موضوع الزواج بحسب ما يقول، يضيف: «أنا أعيش على مزاجي، وأفعل كل ما يخطر ببال الرجل، أما واقع أنني متزوج ولدي 3 أولاد، فلم يمنعني مرة من تحقيق ما أرمي إليه».
بحنان مستفيض ينظر ماجد إلى زوجته الواقفة إلى جانبه، يغمزها بطرف عينه مداعباً. يتابع كلامه قائلاً: «من يؤمن بعكس ما أقوله، ويرى في الزواج مسؤولية تثقل كاهله وتحجز حريته، هو رجل لم يختر الزوجة المناسبة له».
من جهته، يؤكد أمير الشريف (موظف) أنه لم يشعر لحظة واحدة منذ زواجه منذ 6 أعوام بأن هذا الزواج يمنعه من القيام بأمر يرغب فيه. يفكر أمير ملياً، يبدو وكأنه يرغب في تغيير العبارة التي نطق بها، يقول: «أنا مرتبط وأب لطفلة، وإلاّ لكنت عشت حرية الشاب العازب، الذي يخرج ويسهر ويقوم بأمور لا يفكر فيها رب الأسرة الذي يحترم نفسه وبيته».
تنفرج أسارير أمير بعدما تفوه به، يسارع إلى توضيح وجهة نظره، يتابع: «في الحقيقة، زوجتي أجنبية وتحترم حرية الآخر وتقدرها. لذلك لم أشعر مطلقاً بأنها تقيدني، بل إنني أعيش على هواي وأقوم بكل ما أرغب فيه، لكن بالتأكيد من دون أن أنسى أنني زوج وأب».
حب الاستقرار
من ناحيته، وفي سياق تعقيبه على الموضوع، يقول الدكتور الأخضر الشاذلي (مخرج ومنتج): «لم أعد في الـ18 من عمري، لأفكر في رهافة تلك المرحلة من العمر، مرحلة الجنون والتوق إلى سبر غور قائمة الممنوع والمجهول». يشير إلى أن إجابته في ذلك الوقت كانت ستتباين مع رؤيته الآنية للأمور، فما كان يحسبه جميلاً وممتعاً وهو مراهق، يعتبره اليوم قصصاً «لاسيما أنني متزوج منذ 10 أعوام، وأستمتع بتربية ابني الوحيد». بحسب ما يقول. يقر د. الشاذلي، أنه يحب الحياة الزوجية، لأنه يرى فيها «استقراراً من حق الرجل أن يستفيد منه، ليطور نفسه فكرياً واجتماعياً، ويزيد من إمكاناته ونجاحاته في الحياة بشكل عام».
نجاح
«لم أحقق نفسي إلاّ عندما تزوجت». قناعة تتأصل جذورها يوماً بعد يوم، داخل أحمد محيي الدين (مدير فني متزوج منذ عامين). يبتسم أحمد بمكر وهو يبوح بما يجول في خاطره، يقول: «يحسدني أصدقائي على حياة الاستقرار التي أعيش، ويتمنى معظمهم لو يحذون حذوي ويرتبطون بزوجة تسعدهم، ويصبحون متلفهين للعودة إلى البيت ونسيان هموم العمل كلها».
يبدو جلياً أن ما يلفت إليه أحمد، يكفيه إلى درجة يرفض فيها العودة إلى فترة ما قبل الزواج، وهو يقول في هذا السياق: «لقد حققت أكثر من 90 في المئة من أحلامي، ولا أشعر بنقص في أي ناحية من نواحي حياتي، بل أتوقع النجاح والازدهار وديمومة السعادة بإذن الله».
يوافق الدكتور محمد ضياء (طبيب تخدير) متزوج منذ 13 عاماً وله ولدان، على أن «الزواج استقرار»، لافتاً إلى أنه رجل ملتزم دينياً، ويقدر الحياة الأسرية.
لا يخفي د. ضياء أن موضوع الاستقرار شغله أيام العزوبية وسرّع من ارتباطه «لقناعتي بأن نجاحي في الحياة سيكون من نتائجه التلقائية» كما يقول. يضحك د. ضياء لفكرة خطرت في باله، يعود ليحكيها والثقة تميز صوته، لافتاً إلى أنه لو كان عازباً اليوم: «كنت سأتزوج في أسرع وقت، وأنجب الأولاد وأحلم بمستقبلهم». ويشير قائلاً: «قناعتي تلك لم تتغير، بل أثبتت التجربة أنها صحيحة مئة في المئة».
فشل التوازن دليل خلل
قبل التطرق إلى صلب الموضوع، يشير أستاذ علم النفس الدكتور عبدالعزيز الحمادي إلى طبيعة الإنسان، متحدثاً عن جوانب حياته، فيقول إن الإنسان «يمشي مع غرائزه التي تؤثر في سلوكه، وهو عندما يُشبع هذه الغرائز يُقبل على غيرها، أو بمعنى آخر، ما إن ينتهي هدف من أهدافه، حتى ينمو عنده هدف آخر».
يضيف: «قد يكون أول هدف يسعى إليه هو التعلّم وتكوين نفسه والاستعداد للحياة المستقبلية، ثم يلي ذلك توقه إلى تكوين أسرة وهلمَّ جرّا».
وفي الإطار ذاته، يوضح د. الحمادي أن «غريزة تكوين الأسرة تجمع بين الغريزة الجنسية وغريزة البقاء والاستمرار، وهي لا يمكن أن تؤدى إلاّ عن طريق مشروع، وهو أمر يختلف بين مجتمع وآخر». يقول: «نحن كشرقيين، نتميز في هذا الشق بالتحديد بعادات وتقاليد، تحدد سلوكنا المتعارف عليه في مجتمعنا». إلاّ أنه يعود ليؤكد أن «خبرة الزواج لا تميز الرجل المتزوج عن العازب». يضيف: «صحيح أن هنالك ظروفاً تواتي المرء وتملي عليه أفكاراً معينة. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه يتوق إلى تحقيقها، فلكل إنسان أهداف».
ويؤكد أن «موجبات الزواج لا تصادر حلم الرجل، لأنه لم يتزوج إلاّ لأنه وجد في الزواج هدفاً ملحاً. ومن الطبيعي بعد ذلك أن تظهر لديه أهداف وحاجات أُخرى، قد توتره وتؤرق راحته إذا لم يشبعها». ويشير إلى أن «الفشل في إقامة التوازن يفاقم من تأثير الضغط النفسي في سلوك الرجل، وقد يحوله إلى مريض نفسي يتصرف بعدوانية أو خنوع، أو يعاني الاكتئاب والوساوس النفسية وغيرها من حالات التوتر السلوكي التي تتفاوت وتختلف من شخص إلى آخر».