منذ أن أعلن ناشطون وناشطات في لبنان عزمهم على نقل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة بحراً، ومحاولة كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، تجندت الحكومة الإسرائيلية لمنعهم من الانطلاق. وآخر محاولاتها إبداء الخشية من اندلاع حرب
رفعت إسرائيل مستوى التهويل الذي تمارسه تجاه أسطول كسر الحصار المنطلق من لبنان، لتبلغ حد الإعلان عن مخاوفها من أن يسبب حرباً في المنطقة، فيما هددت من جهة أخرى باستخدام القوة دفاعاً عن «حقها» في استثمار حقول الغاز الطبيعي المكتشفة قبالة الساحل الغربي للمتوسط.
وأعرب مسؤولون سياسيون إسرائيليون أمس عن تخوفهم من نشوب حرب في المنطقة جراء سيطرة عنيفة محتملة على قافلة السفن اللبنانية. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن المسؤولين خشيتهم من أن يستخدم حزب الله اعتراض قوات الجيش الإسرائيلي للقافلة اللبنانية بالقوة وسقوط قتلى بين النشطاء على متنها ذريعة لإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل وجرّ سوريا إلى مواجهة عسكرية.
ويبدو أن إسرائيل تستغل سيناريو كهذا في محاولة لدفع دول غربية إلى ممارسة ضغوط على سوريا ولبنان لمنع إبحار القافلة باتجاه شواطئ غزة.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل تجري اتصالات مكثفة مع الولايات المتحدة ودول أوروبية تقول من خلالها إن حزب الله وجهات سورية تقف وراء القافلة، وذلك بهدف بلورة شرعية لسيطرة قوات الجيش الإسرائيلي على القافلة. ووفقاً للصحيفة، فإن الدول الغربية تدرك الاحتمال الكامن لنشوب مواجهة مسلحة في القافلة اللبنانية وإن عدداً من الدول، وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإسبانيا، تمارس ضغوطاً على رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري في محاولة لإلغاء انطلاق القافلة.
وقالت «يديعوت» إن مثالاً على ذلك كان في نهاية الأسبوع الماضي خلال لقاء بين نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون والمستشار السياسي للرئيس الفرنسي دان دافيد ليفيت، الذي اتصل بالسفير الفرنسي في بيروت وطلب منه إمرار الرسائل الإسرائيلية المتشددة إلى الحريري ومستشاريه.
وفي السياق، أفادت الصحيفة بأن معلومات وصلت في الأيام الماضية إلى الحكومة الإسرائيلية تبين أن منظمي القافلة اللبنانية واجهوا صعوبات في العثور على سفن تبحر إلى غزة، وأن أصحاب السفن الذين توجهوا إليهم تخوفوا من تعرضها لأضرار جراء هجوم إسرائيلي محتمل.
ووفق «يديعوت»، تطوعت شركة الملاحة السورية «جوليا للخدمات البحرية»، التي يملكها ابن عم الرئيس السوري بشار الأسد، وقدمت السفينة «جوليا»، التي غُيّر اسمها إلى «ناجي العلي». وأضافت الصحيفة أن شركة ملاحة تدعى «ندى» ضالعة في تسيير القافلة وأن هذه الشركة سورية أيضاً وأن كلتا الشركتين تعملان من ميناء طرطوس السوري.
من ناحيته، أكد الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، عقب لقائه المستشار النمساوي فيرنير فايمان، أن تنظيم قوافل السفن إلى قطاع غزة «هو عمل استفزازي تقوم به إيران بواسطة حزب الله وحماس». أما فايمان، فأعرب عن اقتناعه بوجوب رفع الحصار عن قطاع غزة، وتحسين الظروف المعيشية للسكان الفلسطينيين فيه، مؤكداً في الوقت عينه «وجوب عدم المساس بالاحتياجات الأمنية الإسرائيلية».
وبعد واشنطن، دعت باريس «جميع الجهات إلى التحلي بالمسؤولية»، لتفادي توجه سفينتي الناشطين من لبنان إلى قطاع غزة، «تجنباً لتكرار سيناريو» الهجوم على قافلة الحرية آخر الشهر الماضي، مجددة تأييدها لرفع الحصار عن القطاع.
من جهته، أعلن رئيس حركة «فلسطين الحرة» ياسر قشلق أن سفينتي المساعدات الإنسانية اللتين ستنطلقان من لبنان باتجاه غزة، ستتوجهان أولاً إلى قبرص، حيث ستُفتّش حمولتهما، قبل الانطلاق باتجاه غزة. وأشار قشلق إلى «أننا مصممون على الوصول إلى غزة مهما كان الثمن».
حرب الغاز
في هذا الوقت، لوّح وزير البنى التحتية الإسرائيلي، عوزي لاندو، باستعداد إسرائيل لاستخدام القوة في سبيل «الدفاع» عن حقول الغاز الطبيعي التي اكتُشفت في المياه الدولية غرب السواحل اللبنانية والفلسطينية.
وقال لانداو، في مقابلة مع وكالة «بلومبرغ» أمس: «لن نتردد في استخدام قوتنا، ليس فقط للحفاظ على حكم القانون عندنا، بل أيضاً للحفاظ على القانون البحري الدولي». وجاءت أقوال لانداو في سياق ردّه على سؤالٍ عن تصريحاتٍ لبنانية شددت على حق لبنان في الحقول الغازية التي اكتشفتها شركة «نوبل» الأميركية للطاقة. وأعلنت الشركة مطلع حزيران الجاري اكتشاف حقل هائل للغاز سمّته «لفيتان» في مياه المتوسط، وقالت إنه يحوي 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و1.7 مليار برميل نفط، وهي كمية تبلغ قيمتها المقدرة نحو 40 مليار دولار.
وأضاف لانداو: «سيكون لديهم ما يقولونه بمعزل عما عُثر عليه. فهم لا يقولون إن ما اكتشفناه هو احتلال للبحر، بل أصل وجودنا هو احتلال بنظرهم. إن حقول الغاز توجد في المياه الإسرائيلية».
وكان رئيس مجلس النواب، نبيه بري، قد قال قبل أسابيع إن حقول الغاز المكتشفة تمتد إلى المياه الإقليمية اللبنانية، فيما رأى وزير الطاقة، جبران باسيل، أن لبنان لن يسمح لإسرائيل أو أية شركة تخدم مصالحها بضخ الغاز الموجود في منطقتنا. وأوضح باسيل أن لبنان حذر شركة «نوبل» من عدم الاقتراب من المناطق اللبنانية.
إلا أن إسرائيل أعلنت ببساطة أن الحقول المكتشفة تعود لها. وقال وزير المال الإسرائيلي يوفال شطاينتس إنها «ملك لشعب إسرائيل». هددت إسرائيل باستخدام القوة لـ«حماية» التنقيب عن الغاز في المتوسط
وكانت شركة «ديليك» الإسرائيلية الشريكة مع «نوبل» في حق التنقيب في الحقول المكتشفة، قد أعلنت الأسبوع الماضي رفضها للتصريحات اللبنانية، وشددت في تقرير أعدته على أن «مواقع الحقول فُحصت بدقة، وكل المناطق تقع ضمن المجال المائي الذي تمتلك دولة إسرائيل صلاحية كاملة لمنح حقوق تنقيب فيها».
يشار إلى أن جزءاً كبيراً من المنطقة التي فيها كميات الغاز الكبيرة تقع في المجال البحري الإقليمي لقبرص. وكان قد اندلع خلاف بين قبرص وإسرائيل على الحدود البحرية بينهما، إلا أنه بحسب لانداو فقد سُوّي الخلاف. بل إن نيقوسيا نشرت مناقصة خاصة بها للتنقيب عن الغاز في منطقة قريبة من الحقول الإسرائيلية المزعومة. وشاركت في المناقصة شركتا «ديليك» و«نوبل» اللتان حظيتا بحق التنقيب في «الحقول الإسرائيلية» وفازتا بحصة قدرها 30 بالمئة من حقوق التنقيب في الحقول القبرصية. ومن المتوقع أن تبدأ عمليات ضخ الغاز خلال الأعوام المقبلة.
وذكر موقع «يديعوت أحرونوت» أمس أن كلاً من لبنان وإسرائيل يمتلك خرائط للحدود البحرية أعدّها من دون التنسيق مع الطرف الآخر.
وتمتد المنطقة البحرية الإسرائيلية استناداً إلى الخرائط الإسرائيلية وفقاً لخط ينطلق بزاوية عمودية من منطقة المطلة باتجاه البحر على أساس أن المطلة تمثّل النقطة القصوى في الحدود الشمالية لإسرائيل. أما بحسب الخرائط اللبنانية، فيمتد خط الحدود البحرية انطلاقاً من الناقورة غرباً. وترى إسرائيل أن الخط الساحلي في رأس الناقورة ينزع نحو الغرب، وتالياً فإن الحدود البحرية مع لبنان يجب أن تكون امتداداً لوجهة الخط الساحلي. وبناءً على ذلك، فإن رسم خط يبدأ من نقطة رأس الناقورة ويأخذ وجهة الخط الساحلي باتجاه الغرب سيفضي إلى امتداده باتجاه الشمال الغربي ليصل إلى نقطة بعيدة عن رأس الناقورة غرباً، بل حتى بعيدة عن موازاة المطلة.