المربي قبل المنهج
على أن نخرج معاً ببرنامج و واجب عملي من كل مقال..
المقال الأول:
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا...إذا لم يكن فوق الكرام كرام.. ؟
بقلم الأستاذ حديبي المدني
المربي قبل المنهج: (1)
قال لصاحبه وهو يتأمل جمال السيف الذي أهداه له: ..ما أروع وأجمل هذا السيف.... لكن لم تعطني اليد التي تضرب به.. قال ابن القيم رحمه الله::... السلاح بضاربه لا بحده فقط فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به والساعد ساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير...
قال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجـالاً من أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان،فأستعملهم في طاعة الله...
أرى التفكير أدركه خمول...ولم تعد العزائم في اشتعال
وأصبح وعظنا من غير سحر...ولا نور يطل من المقال
وعند الناس فلسفة وفكر...ولكن أين تلقين الغزالي
وجلجلة الآذان بكل صوت...ولكن أين صوت من بلال
منابركم علت في كل حي...ومسجدكم من العباد خال..!
فالمربي قبل المنهج ،والإمام قبل المسجد ،والأستاذ قبل الدرس ، والفارس قبل السيف والفرس،
وبناء الإنسان قبل المؤسسة ،..
المربي هو الذي يحول المنهج إلى واقع حي متجرك...
فالمناهج الزاهية والكتب البراقة والأهداف الإجرائية الدقيقة والتقويم والقياس وبطاقة الملاحظة..إذا لم تكن وراءها نفس المربي الرباني الزكية العطرة..وأنواره وهديه وسمته وحاله..تتحول إلى سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.. و لن تحدث التغيير المطلوب ولا جيل النصر المنشود..
دهمتنا أشياء وأحداث.. فأثرت:
لقد مر العمل الإسلامي بمرحلة أسندت فيها التربية إلى أفضل الموجود وإن لم يستكمل العدة العلمية والروحية.. و صاحبها انفتاح سياسي ونشاط انتخابي وعمل مركب..ودخلت الدعوة من أبواب متفرقة..مرغمة ومضطرة..لظروف موضوعية وواقعية.. مما أخر العملية التربوية الاستدراكية أو حد من فعاليتها..
لقد آن الأوان أن نهتم بالمربين:علما وعملا وحالا وتذكيرا وتعليما وتزكية.. لأنهم أس الأساس..وجوهر العملية التربوية وروح الحركة.. فنقوم بعملية استدراكية مركزة من خلال الدورات الشرعية والروحية والتدريبية..
أولا:دورة علمية وشرعية: ولكن كونوا ربانيين ...بما كنتم تعلمون الكتاب ..وبما كنتم تدرسون ...
من خلال عمل جماعي...وجهد شخصي مكمل..
حينما لاحظ الشيخ العلامة سعيد حوى نقصا علميا وروحيا وأخلاقيا..اقترح مشروع:مدرسة إحياء الربانية..لا كبديل عن المحاضن التربوية ومؤسسات الحركة،وإنما كعمل مكمل يتم من خلال بيئة المسجد الطيبة المباركة.. لأن خريج المسجد غالبا ما يكون عاقلا مترويا متزنا..وهماما ثابتا صادقا..ومتقدما رائدا حاديا.. وذائقا لثمرات الإيمان..مؤثرا بهديه ونوره وسمته وحاله..
يقول الأستاذ أديب الصانع:
فترى بعض الدعاة إذا ذكر له العلم أشاح وجهه عنك وقال لك نحن نؤلف الرجال ولا نؤلف الكتب ونحن نطالبه الآن بالقراءة ولم يدر أخونا أن مرحلة الـتأليف متقدمة قليلا ...
وترى المتبتلين المنعزلين .. إذا أوصيته بطلب العلم أعطاك درسا عن الإخلاص وأن توجهه للعلم من غير زاد ما هو إلا شهوة من الشهوات ولعله نسي أن فهمه للإخلاص يحتاج إلى علم..
وبعضهم يزيد عليك ويحاول أن يعطيك شيئا من فهم العلم اللدني ولسان حاله يقول ألم يحفظ بعض الصالحين القرآن في ليلة !! ونسي أن الوهب فعل الله والكسب فعل العبد ولا أدري كيف أقحم نفسه بأفعال الله سبحانه وتعالى ...
تخيل لو أن ابن القيم والغزالي قد اكتفوا فقط بتأليف الرجال فمن سيأتينا بمثل المدارج والإحياء ... ولو أن علماءنا اعتزلوا معترك التربية واكتفوا بالتأليف فمن أين سيخرج مثل محمد الفاتح وصلاح الدين... وتلك التراجم التي تعج بنماذج رفيعة من تعبد وخلق ودعوة وجهاد..
لماذا المربون بالذات مطالبون بجمع العلوم والفنون..والتعب المضاعف؟
المربون هم: قوم في المركز والبؤرة والقلب والصميم ، يريدون قيادات الناس ومعاكسة التيار ومقاومة الغزو ومعاندة العالم ، ولهم هدف إصلاح وتغيير وهدم طواغيت استعبدت العلم وسخرته، وقوم هذه هوياتهم وخوارطهم وغاياتهم يفترض أنهم نذروا أنفسهم للتعب وجمع العلوم والمعارف والفنون.
فهذا عصر ثورة العلم ومنهجية الأعمال، والعمق شرط للمضي في المنافسة ، وما عادت الأحرف اليسيرة تدبر نقاشا أو ترشح صاحبها لندوة أو تقرير ناجح أو مقالة لها رواج أو خطبة ينصت لها الناس ، بل المليء هو سيد الساحات وأبو المنابر ، وما نظن أن حائز العلم الشرعي يستطيع بثه ما لم يضف إليه علما باللغة والآداب والتاريخ ومقدمات الاقتصاد والإدارة والعلوم التطبيقية ، مع نظرة في الفلسفة ، وهذا الشمول هو مظنة تأثيره في أوسط المثقفين ، ويدونه يتلعثم و يضطرب عرضه...
وإني لأعجب من دعاة الإسلام الذين أراهم اليوم، كيف يجرؤ أحدهم على إطالة العنق في المجالس، والنشر في الصحف، قبل أن يجمع شيئا من البيان جمعه الطبري في تأويل آي القرآن، وقبل أن يرفع له راية مع ابن حجر في فتحه، ولم ينل بعد من رفق أم الشافعي وحنانها، ولا كان له انبساط مع السرخسي في مبسوطه، أو موافقة للشاطبي في موافقاته؟.. وكيف يقنع الداعية وهو لم يقرأ بعد المهم من كتب ابن تيمية، وابن القيم، والغزالي، وابن حزم؟.. كيف يسرع داعية إلى ذلك وهو لم يكثر من مطالعة كتب الأدب العربي القديم، ولم يعكف مع الجاحظ وأبي حيان، أو ابن قتيبة وأديبي أصبهان؟.. وأعجب أكثر من هذا لداعية أثير حماسه لهذه العلوم والآداب فيقول: ليس لي وقت، كأنه غير مطالب بإتعاب نفسه تعبا مضاعفا، ولا شرع له السهر!
لا علم ولا عبادة.. فكيف يحدث التأثير..وتتحقق السيادة؟
قال أبو اليمان عامر بن عبد الله الحمصي : " كان إسماعيل جارنا منزله إلى جنب منزلي فكان يحيي الليل وربما قرأ ثم قطع ثم رجع فسألته يوما عن ذلك فقال وما سؤالك ؟ قلت أريد أن أعرف قال: إني أصلي فأقرأ فأذكر الحديث في الباب فأكتبه ثم أرجع لصلاتي"
قال الذهبي معلقا على قصة مشابهة "كذا والله كان أهل الحديث: العلم والعبادة واليوم فلا علم ولا عبادة بل تخبيط ولحن وتصحيف كثير وحفظ يسير وإذا لم يرتكب العظائم ولا يخل بالفرائض فلله دره"