تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: أزمة القادة وقادة الأزمة الخميس مايو 13, 2010 2:02 am | |
|
أزمة القادة وقادة الأزمة فؤاد الحميري
خاص ينابيع تربوية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ثم ماذا: هذه هي الخطبة الثانية من سلسلة" أزمة القادة وقادة الأزمة" نتحدث فيها عن القيادة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم وذلك في ثلاثة محاور: الأول: النشأة القيادية. الثاني: صراع القادة. الثالث: الوصفة القيادية. عباد الله : يقول الكاتب الأمريكي "مايكل هارت" في كتابه " المائة" وقد جعل محمدا [ص] أول قائمة المائة الخالدين عبر التاريخ يقول:" لقد اخترت محمدا في أول القائمة, ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار, ومعهم حق في ذلك, ولكن محمداً هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي. ..وأصبح قائداً سياسيا وعسكريا ودينيا. وبعد 13قرنا من وفاته فإن أثره ما يزال قوياً متجددا". ويقول في موضع آخر من كتابه:"وكان محمدا على خلاف عيسى رجلا دنيويا فكان زوجا, وأبا, وكان يعمل في التجارة, ويرعى الغنم, وكان يحارب, ويصاب في الحروب, ويمرض ثم مات... ويمكن أن يقال: إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ".[الخالدون مائة: ص13 و 18]. استهللت حديثي عن القيادة المحمدية بشهادة غربية مسيحية. لم يكن سيدي رسول الله بحاجة إليها, ولكنها النفس البشرية تكبر شهادة الأعداء, وتقدير الألداء. فكيف كان أمر هذا الزعيم, والقائد العظيم هذا ما سنعرفه في: المحور الأول: النشأة القيادية: فقد أعد الله نبيه محمد [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] للقيادة منذ نعومة أظفاره, وأزعم أن ولادته يتيماً كانت أول مظاهر قيادته, وملامح ريادته إذ اليتم تفرد, والتفرد قيادة : قد عرفنا وربنا قد عرفنا
أن لليُتم منهجٌ ونظامُ
فهو جِدٌ وهمةٌ وانطلاقٌ
ووقودٌ وطاقةٌ واضطرامُ
وهو إشراقةٌ وروحٌ طموحٌ
يلهث الطيرُ خلفه والغمامُ
وهو عزٌ وكبرياءٌ ومجدٌ
واسألوا المصطفى عليه السلامُ ثم كانت ثاني ملامح قيادته تسمية جده له محمدا. حتى إذا سُئل: لماذا أسميته محمدا, خلافاً لعادة قومه أجاب: "أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض". [السيرة النبوية لابن كثير]. وقد أجمع كل من تكفَّله من جدٍ أو عمٍ أو مرضعٍ أو أمٍ أن سيكون له شأن. وقد تأسست هذه القيادية في شخص النبي الكريم بعلو همته عن السفاسف فعن علي بن طالب كما عند الحاكم وصححه قال سمعت رسول الله[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]:" ما هممت بما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا مرتين من الدهر كلاهما يعصمني الله تعالى منهما . قلت ليلة لفتى كان معي من قريش في أعلى مكة في أغنام لأهلها ترعى : أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما تسمر الفتيان قال : نعم فخرجت فلما جئت أدنى دار من دور مكة سمعت غناء وصوت دفوف وزمر فقلت : ما هذا ؟ قالوا : فلان تزوج فلانة لرجل من قريش تزوج امرأة فلهوت بذلك الغناء والصوت حتى غلبتني عيني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت فسمعت مثل ذلك فقيل لي مثل ما قيل لي فلهوت بما سمعت وغلبتني عيني فما أيقظني إلا مس الشمس ثم رجعت إلى صاحبي فقال : ما فعلت ؟ فقلت : ما فعلت شيئا". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فو الله ما هممت بعدها أبدا بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله تعالى بنبوته » [المستدرك على الصحيحين للحاكم]. فالقائد لابد له من تربية خاصة ترفعه عن الدنو إلى العلو, ومن الهبوط إلى السمو.
وكان من أمارات قياديته المبكرة اشتهاره بصفتين من أهم صفات القائد الحق وهما الصدق والأمانة حتى عُرف بالصادق الأمين. لكنَّ الإعلان الرسمي عن ميلاد القائد محمد بن عبد الله تمثل في حادثة بناء الكعبة[قصة التحكيم]. فما وُهب [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] النبوة, وحُمِّل تبعات قيادة البشرية, إلا وقد استأهلها عن جدارة. فالنبوة لم تصنع القيادة المحمدية وإنما استفادت منها, وهنا مكمن الأسوة, وسرُّ القدوة,. فمن كَبُر عليه الاقتداء بمحمد الرسول , فليقتد بمحمد المسئول. ومن صَعُب عليه التأسي بمحمدٍ النبي, فليتأس بمحمدٍ القائد العربي. فإذا عُلم ذلك انتقلنا إلى: المحور الثاني: صراع القادة: معاشر المؤمنين: وما أن بعث [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] حتى سَمَتْ منارةُ قيادته برَّاقة, ورايةُ إمامتهِ خفَّاقة, إذ بعثه الله في قبائل متناحرة, وعشائر متنافرة, يقتل بعضها بعضا ويستبعد بعضها بعضا, لا تجمعها دولة, ولا يوحدها نظام, قال تعالى واصفا حالها قبل وبعد محمد:" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)"[آل عمران]. وهي فوق ذلك كله محكومة من قبل مجموعة من القادة أو الملأ كما أسماهم القرآن العتاة, الطغاة, البغاة, القساة, قال تعالى:" ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)"[ص]. وقد وصل خضوع هؤلاء العرب أو الأعراب لقادتهم وزعمائهم حداً من الطاعة العمياء جعل كُتُبَ التاريخ تصف أحد أولئك القادة فتقول:" كان إذا غضب. غضب لغضبه مائة ألف سيف لا يسألونه لم غضب". الأمر الذي حدا بكُتَّاب السيرة إلى أن يُجمعوا على أن وقعة بُعاث بين الأوس والخزرج والتي حصدت كبار مشايخ وقادة يثرب, كانت تمهيداً ربانياً لتقبُّل من بقي من أهل يثرب لدعوة النبي[ص] ونصرتهم لها, إذ لو بقي أولئك القادة لما كان تكذيبهم لمحمد[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بأقل من تكذيب قريش. وقد بقي صراع النبي القائد في أساسه صراعاً قيادياً فهو لم يواجه الرعايا بقدر ما واجه الرعاة , ولم يجابه الجماهير بقدر ما جابه القادة فهي "سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)"[الأحزاب]. سنة تقول: إن كبار القوم وقادتهم وملأهم هم أعداء التغيير في كل زمان ومكان. فمن قاوم نوح إلا الملأ من قادة قومه :" لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60)"[الأعراف]. ومن قاوم هود إلا الملأ من قادة قومه:" وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)"[الأعراف]. ومن قاوم صالح إلا الملأ من قادة قومه:" قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)"[الأعراف]. ومن قاوم شعيب إلا الملأ من قادة قومه:" قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)"[الأعراف]. ومن قاوم موسى إلا الملأ من قادة قومه:" وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)"[الأعراف]. ومع ذلك قد استطاع النبي[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أن يجمع هذا الرذاذ العربي المتناثر, ويصنع منه نهراً عظيماً لا زال يزخر بالحياة والأحياء حتى اللحظة.. فكيف كان ذلك؟ هذا هو .. المحور الثالث: الوصفة القيادية: عباد الله: لإنجاح دعوته, وبناء دولته في ظل هذه الحقيقة الشرعية, والسنة التاريخية؟ المتمثلة في مقاومة القيادات القديمة للتجديد والتغيير. عمل النبي[ص] على مستويين متوازيين الأول: كسب الموجود. الثاني: إيجاد المفقود. وذلك على النحو التالي: الأول: كسب الموجود: بمحاولة استمالة القادة وإقناعهم بدعوة الحق للاستفادة من خبراتهم وطاقاتهم لقوله[ص]:" ..خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا"[البخاري عن أبي هريرة]. وللوصول بأسرع الطرق إلى نفوس أتباعهم, لما لهم من التأثير عليهم. وقد تجلى ذلك في قصة ابن أم مكتوم الأعمى حيث جاء يسترشد رسول الله[ص] ورسول الله[ص] منشغل بدعوة بعض قادة قريش وكان حريصا على دعوتهم, فألح عليه ابن أم كتوم في السؤال فغضب لذلك رسول الله وعبس بوجهه وأعرض عنه, كل ذلك حرصا منه[ص] على إسلام هؤلاء القادة من قريش, فأنزل الله يعاتبه:" عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)". وكان من حرصه على إيمان القادة أنه ربما دعا لبعضهم بالاسم كما ورد في الحديث الصحيح قال[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : " اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب " فأصبح عمر فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم صلى في المسجد ظاهرا . [رواه أحمد والترمذي( حسن صحيح ) مشكاة المصابيح]. بل وصل الأمر في حرص النبي[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] على دعوة هؤلاء القادة, والإصرار على كسبهم حداً أضرَّ به, حتى أنزل الله عز وجل تسلية له وتخفيفا عنه قوله:" طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)"[الشعراء]. وقوله تعالى:" فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)"[الكهف]. وقوله سبحانه:" أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ("[فاطر]. والثاني: إيجاد المفقود وذلك بما يسمى اليوم "صناعة القادة" قال تعالى:" وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)"[طه]. وذلك عبر التالي: 1_ وضع الشخصيات القيادية في مكانها المناسب سواء سياسية أو عسكرية: فلم يكن رسول الله [ص] يقدم خاصة أصحابه من السابقين الأولين على أهل الكفاءة والخبرة وإن كانوا من المتأخرين. فهذا عتاب بن أسيد يُسلم في فتح مكة ورغم حداثة إسلامه بل وحداثة سنه إذ كان دون العشرين سنة. فقد عينه النبي[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أميرا على مكة في نفس العام الذي اسلم فيه. وبقي أميراً على مكة طيلة عهد رسول الله ثم طيلة عهد أبي بكر الصديق ومات في نفس اليوم الذي مات فيه الصديق رضي الله عنه. وهذا عمرو بن العاص وخالد بن الوليد رغم تأخر إسلامهما إلا أنهما قادا جيوش النبي[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وتأمَّرا على من سبقهما إسلاماً. بينما قال[ص] لأحد أعظم صحابته من السابقين وهو أبو ذر حين سأله قائلاً:"يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا"[ صحيح مسلم ]. فكان [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] يعين الرجل المناسب من المناسبة لا من النسب, ويكلف الخبير من الخِبرة لا من الخُبرة, ويستعين بصاحب المؤهل لا بـ"الأهيل", ولا يخفى أن وضع القائد المناسب في المكان المناسب تحفيز للجميع بأن يكونوا على مستوى المسئولية. 2_ التربية على الشرف وعلو الهمة: فكان [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] يُوجِّه أصحابه قائلاً" إن الله تعالى يحب معالي الأمور و أشرافها و يكره سفسافها"[تخريج السيوطي( طب ) عن الحسين بن علي .تحقيق الألباني( صحيح ) انظر حديث رقم : 1890 في صحيح الجامع] . وإذا رأى هابط الهمة ذكَّره, وذكر الأمة كلها معه فعن أبي موسى ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا فأكرمه ، فقال له : « ائتنا » ، فأتاه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سل حاجتك » ، فقال : ناقة نركبها ، وأعنزا يحلبها أهلي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل ؟ » ، قال : « إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر ضلوا الطريق ، فقال : ما هذا ؟ فقال علماؤهم : إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا ، قال : فمن يعلم موضع قبره ، قال : عجوز من بني إسرائيل ، فبعث إليها فأتته ، فقال : دليني على قبر يوسف ، قالت : حتى تعطيني حكمي ، قال : ما حكمك ؟ قالت : أكون معك في الجنة ، فكره أن يعطيها ذلك ، فأوحى الله إليه : أن أعطها حكمها ، فانطلقت بهم إلى بحيرة : موضع مستنقع ماء ، فقالت : أنضبوا هذا الماء ، فأنضبوا ، قالت : احتفروا واستخرجوا عظام يوسف ، فلما أقلوها إلى الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار" [مسند أبي يعلى الموصلي]. 3_ اكتشاف المواهب القيادية وتنميتها: حتى إنه ليخرج جيشاً من كبار الصحابة بقيادة فتىً صغيرٍ هو أسامة بن زيد, فيغضب بعض الصحابة لذلك, فيخطب رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فيهم قائلاً:" إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل و ايم الله إن كان لخليقا بالإمارة و إن كان لمن أحب الناس إلي و إن هذا لمن أحب الناس إلي بعده و أوصيكم به فإنه من صالحيكم - يعني أسامة بن زيد"[تخريج السيوطي( حم ق ) عن ابن عمر .تحقيق الألباني( صحيح ) انظر حديث رقم : 1416 في صحيح الجامع]. 4_ تسليم القيادة بصلاحيتها: فلم يكن النبي [ص] يُعيِّن قادة ديكوراً, ولا يؤمِّر كوزاً مركوزاً, لم يكن لديه أمير بلا إمارة, أو وزير بلا وزارة, أو مدير بلا إدارة, لم تكن المناصب النبوية عناوين بلا مضامين, ولا مباني بلا معاني , ولا مظاهر بلا جواهر, لم يكن لدى القائد محمد[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] كراسي بلا صلاحيات, كان أذا عيَّن أحداً في منصبٍ ما, أعطاه صلاحيات المنصب كاملة, حتى أن حكمه فيها ليسري على رسول الله[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] نفسه. وهذه قصة الحكم في بني قريظة كما ترويها سيرة ابن هشام:" فَلَمّا أَصْبَحُوا ـ أي بنو قريظة ـ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَتَوَاثَبَتْ الْأَوْسُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُمْ مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي إخْوَانِنَا بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْت - وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعِ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَسَأَلَهُ إيّاهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ - فَلَمّا كَلّمَتْهُ الْأَوْسُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ؛ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : فَذَاكَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ جَعَلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي خَيْمَةٍ لِامْرَأَةِ مِنْ أَسْلَمَ ، يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ فِي مَسْجِدِهِ كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى ، وَتَحْتَسِبُ بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَةِ مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ أَصَابَهُ السّهْمُ بِالْخَنْدَقِ اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِ رُفَيْدَةَ حَتّى أَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمّا حَكّمَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَتَاهُ قَوْمُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ قَدْ وَطّئُوا لَهُ بِوِسَادَةِ مِنْ أَدَمٍ وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا ، ثُمّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُمْ يَقُولُونَ يَا أَبَا عَمْرٍو ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيك ، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّمَا وَلّاك ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ فَلَمّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ . فَرَجَعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، فَنَعَى لَهُمْ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ سَعْدٌ عَنْ كَلِمَتِهِ الّتِي سَمِعَ مِنْهُ . فَلَمّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : قُومُوا إلَى سَيّدِكُمْ فَأَمّا الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَيَقُولُونَ إنّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْأَنْصَارَ ؛ وَأَمّا الْأَنْصَارُ ، فَيَقُولُونَ قَدْ عَمّ بِهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا : يَا أَبَا عَمْرٍو ، إنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ وَلّاك أَمْرَ مَوَالِيك لِتَحْكُمَ فِيهِمْ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ ، أَنّ الْحُكْمَ فِيهِمْ لَمَا حَكَمْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا ؟ فِي النّاحِيَةِ الّتِي فِيهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إجْلَالًا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : نَعَمْ. قَالَ سَعْدٌ فَإِنّي أَحُكْمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الرّجَالُ وَتُقَسّمُ الْأَمْوَالُ وَتُسْبَى الذّرَارِيّ وَالنّسَاءُ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِسَعْدٍ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ". وهكذا أيها الأخوة: ملكنا هذه الدنيا قرونا..وأخضعها جدود خالدونا..وسطرنا صحائف من ضياء..فما نسي الزمان ولا نسينا..وما فتئ الزمان يدور حتى..مضى بالمجد قومٌ آخرونا..وأصبح لا يرى في الركب قومي..وقد عاشوا أئمته سنينا..وآلمني وآلم كلَ حُرِّ..سؤالُ الدهرِ: أين المسلمونَ.
|
| |
|